سفر التكوين - البداية حتى قصة يوسف

لما بدأ الله سبحانه وتعالى خلق السماوات والأرض، كانت الأرض خالية وملهاش شكل، وكانت رُوح الله بتُحلق فوق سطح المياه العميقة اللي الظلمة كانت مغطياها . فقال الله سبحانه وتعالى: «ليكُنْ نور»، فكان النور. وشاف الله عز وجل النور فرضىَ عنه. وفصل الله سبحانه وتعالى بَين النور والظلمة. فسمّى الله تعالى النور نهار والظلمة سمّاها ليل. وعدىَ ليل وطلع النهار، وكان ده اليوم الأول. وبعدها قال الله سبحانه وتعالى: «لتكن قبة زي الخيمة في السماء علشان تفصل بين المياه». فخلق الله عز وجل قبة تفصل بين المياه اللي فوق قبة السماء والمياه اللي تحتها. وكان كما الله شاء. وسمَى الله القبة دي ”سماء“. وعدَى الليل وطلع النهار، وكان ده اليوم الثاني. وبعدها قال الله سبحانه وتعالى: «تنحسر المياه اللي تحت السماء، وتظهر الأرض الجافة». فكان كما الله شاء. وسمى الله اليابسة ”الأرض“، وتَجمُع المياه سماه ”بحر“، وشاف الله عز وجل اللي خلقه فرضى عنه. وبعدها قال الله سبحانه و تعالى: «تطرح الارض من كلّ أنواع النباتات والأشجار المثمرة وكلها يبقَى فيها بذور حسب انوعها.» فكان كما الله شاء. وطرحت الارض من كلّ أنواع النباتات والأشجار المثمرة كلها فيها بذور حسب انوعها. وشاف الله عز وجل اللى خلق فرضىَ عنه. وعدَى الليل وطلع النهار، وكان ده اليوم الثالث. بعدها قال الله تعالى: «تكون نجوم في السما، تَفصل بين الليل والنهار وتكون علامات لحساب الأيام والسنين، وتكون أنوار في السما علشان تنور الأرض». فكان كما الله شاء. فخلق الله نورين عظيمين. النور الكبير نور الشمس علشان يسود وينور بالنهار، والنور الصغير نور القمر علشان يَسود وينور بالليل. وجعل الله الأنوار في السما علشان تنور الأرض، وعلشان تسود وتنور بالنهار والليل وتفصل بين الضلمة والنور. وشاف الله عز وجل اللي خلقه فرضىَ عنه. وعدَى الليل وطلع النهار، وكان ده اليوم الرابع. بعدها قال الله سبحانه و تعالى: «تتملَى المياه بكل أنواع السمك والكائنات الحية اللي بتعيش في المياه، وتكون طيور تطير فوق الأرض وتطير في جو السما». فخلق الله سبحانه وتعالى وحوش البحر وكلّ الحيوانات اللي بتعيش في المياه، والطيور اللي بتطير في السماء، كلّ نوع لوحده بحسب أنواعها. وشاف الله عز وجل اللي خلقه فرضَى عنه. وبارك الله في خلقه وقال: «زيدوا في النسل واكتروا واملوا البحار وتكثر الطيور على الأرض». وعدَى الليل وطلع النهار، وكان ده اليوم الخامس. وبعدها قال الله تعالى: «تظهر على الأرض الكائنات اللي بتعيش عليها من وحوش وزواحف وبهائم من كل أنواعها». فكان كما الله شاء. فخلق الله سبحانه وتعالى الوحوش والزواحف والبهائم، كلّ نوع لوحده بحسب نوعه وجنسه. وشاف الله عز وجل اللي خلقه فرضَى عنه. وبعدها قال الله سبحانه تعالى: «نخلق الإنسان علشان على هيئتنا علشان يعبر عن بعض صفاتنا، ويكون له سلطة على أسماك البحر وعلى طيور السما وعلى كل حيوانات الأرض.» فخلق الله تعالى الإنسان على هيئته علشان يكشف عن بعض صفاته. خلقهم من ذكر وأنثىَ، وبارك فيهم وقال لهم: «زيدوا واكثروا وعمروا الأرض واملكوها. تكون لكم سلطة علىَ أسماك البحر وطيور السما وكل حيوانات الأرض. أنا وهبتكم من كل نبات فيه بذور ومن كل شجر بيطرح ثمر علشان يكون طعام لكم. وجعلت كل نبات وعُشب أخضر يكون طعام لطيور السماء ووحوش وبهائم الأرض وكل نفس حية». فكان كما الله شاء. وشاف الله عز وجل جميع اللي خلقه فرضَى عنهم واستحسنهم. وعدىَ ليل وطلع النهار، وكان ده اليوم السادس.

2

وبكده أتم الله خلق السماوات والأرض وما عليها في ست أيام. واليوم السابع خلاه الله يوم للراحة بعد ست أيام تمم فيها خلقه. وبارك الله تعالىَ اليوم السابع وجعله مُخصص للراحة والعبادة لأنه تتم فيه كل اللي خلقه. وبكده تمم الله عز وجل خلق السماوات والارض.

خلق آدم وحواء

قبل ما يخلق الله عز وجل الإنسان، ماكانتش الأرض طرحت لا عُشب ولا خضرة، لأنها كانت يابسة مانزلش عليها المطر ولا كان الإنسان اتخلق علشان يزرع فيها. لكن ظهر على الأرض ضباب فيه رطوبة سقىَّ الأرض الجافة. فأخذ الله عز وجل من طين الأرض وخلق الإنسان ونفخ فيه من روحه فبقى آدم نفس حية. بعدها أنبت الله سبحانه وتعالى جنة في مكان أسمه عدن شرق نهر الأردن وسكن آدم فيها. وأنبت الله عز وجل في الجنة كل أنواع الأشجار، ثمارها طيبة للأكل وشكلها جميل وملفته للنظر. وفي وسط الجنة كانت شجرة الحياة وشجرة معرفة الخير والشر. وكان بيجري في الجنة نهر بيرويها، وبيتفرع من النهر ده اربع أنهار. أسم النهر الأول نهر فيشون وهو النهر المحيط بأرض الحويلة بالجزيرة العربية الي موجود فيها الذهب. والذهب في الأرض دي جيد، وكمان فيها من العطور الفاخرة والأحجار الكريمة. وإسم النهر الثاني جيحون، وهو اللي بيحيّط بأرض كوش أو النوبة، جنوب مصر. وإسم النهر الثالث دجلة، وهو الي بيجري شرق أرض أشور. والنهر الرابع هو نهر الفرات. وجعل الله سبحانه وتعالى آدم عليه السلام يعيش في الجنة ويعتني بها. ووصَى الله عز وجل آدم وقال له: ((يا آدم، ممكن تاكل من أي شجرة في الجنة، إلا شجرة معرفة الخير والشر لأنك يوم ما تاكل منها لازم هتموت.)) ولما شاف الله سبحانه وتعالى أن آدم كان وحيد قال: «الأفضل أن آدم مايفضلش لوحده، فأخلق له مُعين وشريك يناسبه». بعدها جاب الله سبحانه وتعالى لآدم كل الحيوانات والطيور علشان يسميها. فسمى آدم كل الوحوش والبهائم والطيور بأسمائها. لكن آدم ملقاش لنفسه معين ولا شريك يشبهه بين كل المخلوقات اللي سماها. فجعل الله آدم عليه السلام يروح في نوم عميق وأخد ضلع من ضلوعه وغطىَ مكانه باللحم. وخلق الله عز وجل من الضلع ده إمرأة وقدمها لآدم. ففرح آدم وقال: «دي دلوقت عظامها من عظمي ولحمها من لحمي، واسمها إمرأة لأن الله خلقها مني». علشان كده الرجل بيفارق أبوه وأمه ويرتبط بزوجته ويكونوا هم الإتنين واحد. وكان آدم وامرأته عريانين، لكنهم ماكانوش يعرفوا أيه الخجل.

3

جزاء المعصية

كانت الحيّة خبيثه وأمكر كلّ الحيوانات البرية اللي خلقها الله. (وبالرغم من أن الله أمر آدم وحواء، بأنهم ياكلو من كل شجر الجنة، إلا شجرة معرفة الخير والشر، إلا أن) الشيطان راح للمرأة (وتكلم معها على لسان الحيّة وخدعها) وقال لها: «هو بجد الله قال لكم: ماتاكلوش من أي شجرة في الجنة؟» فقالِت المرأة للحيّة: «الله سمح لنا أننا ناكل من شجر الجنة. لكن قال لنا: ماتاكلوش من الشجرة اللي في وسط الجنة ولا تقربو منها وإلا هتموتوا“. فقالت الحيّة : ”لا، مش هتموتوا، لأن الله يعلم أنه لما ما تاكلوا من الشجرة اللي في وسط الجنة هتتفتَح عيونكم وتكونوا زيه قادرين على التمييز بين الخير والشر. (علشان كده منعكم من أنكم تاكلو منها)“ فبَصت حواء على الشجرة فشافتها جميلة في عينيها واستلذت طعمها وطمعت في المعرفة اللي فيها، فأخذت وأكلت وعطت لزوجها منها فأكل معاها. فـاتفتحِت عيونهم، وعرفوا أنهم عريانين. فقاموا وعملوا غطا من ورق شجر التين وغطوا نفسهم. وفي وقت الغروب سمعوا صوت الله سبحانه وتعالى زي الرعد العاصف فقاموا بسرعة وحاولوا يستخبّوا ورا شجر الجنة. ونادى الله آدم وقال له : ((يا آدم، ليه بتحاول تستخبىَ؟)) فقال آدم: سمعت صوتَك، فخفت واستخبيت لأني عريان. فقال الله تعالى لآدم : ((مين عرَفَك إنك عريان؟ أنت أكلت من الشجرة اللي قلتلك ماتاكلش منها؟)) فقال آدم: “المرأة اللي عطيتها لي، هي اللي عطتيني فاكلت.” فقال الله سبحانه وتعالى للمرأة: ((أيه اللي أنتي عملتيه؟)) فردّت المرأة وقالِت : “الحية غوتني وخلّيتني أكل من الشجرة.” فقال الله سبحانه وتعالى للحيّة: ((جزاء اللي عملتيه، هتكوني ملعونة بين كل الحيوانات، تزحفي على بطنِك، وتاكلي من التراب طول ايام حياتِك. ويكون فيه عداوة بينك وبين المرأة، وبين خْلفتِّك وخلفتها، رجل من نسل المرأة يدوس على دماغك يكسرها وإنتي تلدغي كعب رجله.)) وبعدين كَلم الله سبحانه وتعالى المرأة وقال لها: «في حملِكِ وولادتك هتتألمي، وشوقك دايمًا لراجلك ولحكمه عليكي هتخضعي». وقال الله سبحانه وتعالى لآدم: «يا آدم، لأنك عصيت وصيتي وسمعت لزوجتك وأكلت من الشجرة اللي منها حذرتك، اللعنة تنزل على الأرض وتبور بسببك، وأكلك منها طول حياتك بتعبك وجُهدَك، الأرض تنبت لك الشوك ومن عُشبِ الحقل يكون أكلك، ورزقك عليها من تعبك وعرقك، لحد ما ترجع للأرض اللي منها خَلقتك، فأنت من التراب اتخلقتَ وللتراب ترجع». وجعلَ الله تعالى غطائين من جلد حيوان وغطا آدم وحواء. وسَمى آدم زوجته حَواء، لأنها أم كُل بشر حَي. بعدها قال الله سبحانه وتعالى: دلوقت الإنسان بقَى يعرف الخير والشر، وممكن يمد ايده ويأكل من شجرة الحياة فيكون من الخالدين. وبعد ما طرد الله الإنسان، خلى آدم يقيم في شرق الجنة، علشان يتعب ويزرع الأرض اللي اتخلق منها، وخلىَ ملائكة من المُقربين يحرسوا الطريق لشجرة الحياة.

4

قصة قابيل وهابيل

(وبعد ما طرد الله آدم من الجنة بسبب المعصية،) أجتمع آدم بزوجته حواء فحملت وولدت قابيل. فقالت حواء: «بفضل من الله خلفت ولد» وبعدها حملت مرة تانيه وولدت أخوه هابيل. وكبر هابيل وبقىَ راعي غنم، واخوه قابيل بقَى مُزارع. وفـي يوم من الأيّام، قابيل وهابيل كانوا عايزين يقدموا أضحية قربان لله سبحانه وتعالى، فقدم قابيل من زرع الأرض. أما هابيل فاختار أبْكارِ من أحسن غنمه، وقدّمها أضحية لله سبحانه وتعالى. فرضَى الله عن هابيل وتقبل أضحيته. لكنه مرضاش عن قابيل ولا تقبل أضحيته. فغضب قابيل لحد ما اتغير لون وجهه. فقال له الله سبحانه وتعالى: «ليه غضبت يا قابيل واتغير لون وجهك؟ لو عملك صالح كنت تقبلت منك وأشرق وجهك. ولو عملك فاسد، فالخطيئة مترصدة بك علشان تسيطر عليك وتفترسك، فاحترس من انها تهلكك». وفي يوم من الأيام قال قابيل لأخوه: ”يا هابيل، تعالىَ معايا نروح للحقل.“ ولما كانوا في الحقل، هجم قابيل على أخوه هابيل فقتله. فقال الله تعالى لقابيل: «فين اخوك هابيل؟» فقال قابيل: ”أعرف منين أنا؟ هو انا حارس لأخويا؟“ فقال الله سبحانه وتعالى: «ليه عملت الشر؟ صوت دم أخوك بيصرخ لي من الأرض يطلب الثأر. فالآن أنت مغضوب عليك في الارض اللي سفكت عليها دم اخوك . ولما تزرع الأرض تمنع عنك حصادها، ومن الآن تعيش مُطارد ومُشرد فيها». فقال قابيل: عقابي أعظم من أني اتحمله، النهارده عن الأرض الخصبة بعدتني، ومن وجهك طردتني، مُطارد ومُشرد في الأرض جعلتني، وكل اللي يقابلني ممكن يقتلني. فقال الله تعالى لقابيل: «لا، لكن كل اللي يقتلك أنتقم منه بسبع أضعاف عقوبتك». ووضع الله تعالى على قابيل علامة علشان مايقتلوش كل اللي يقابله. فخرج قابيل مطرود من وجه الله وسكن في أرض نود (ومعناها أرض الشقاء أو الترحال) في شرق جنة عدن. (ولما سكن قابيل في أرض نود) أجتمع بزوجته، فحملت وخلفت له ولد سماه حنوك. وبعدها بني قابيل مدينة وسمّاها على اسم أبنه حنوك. وحنوك خلف عيراد، وعيراد خلف محويل، ومحويل خلف مُتوشالح، ومُتوشالح خلف لامك. وبعدين لامك اتجوز أثنين. واحدة اسمها عايده والثانية إسمها صِلة. وخلفت له عايده ولد أسمه بيابال، وهو أول واحد سكن الخيام ورعى المواشي. واسم أخوه يوبال، وهو أول واحد عزف على العود والمزمار. أما زوجته الثانية صلة فخلفت له ولد وسمته توبال قابيل، وهو أول واحد صنع آلات النحاس والحديد، وخلفت كمان أُخته وإسمها نعمة. وفي يوم من الأيام، جمع لامك زوجاته الأتنين وقاللهم: «أسمعي يا عايده وأنتي يا صلة، أنتبهوا يا زوجات لامك لكلامي. أنا قتلت رجل لأنه جرحني، وهانتقم حتى من ولد صغير لو بكدمة أصابني. فإذا كان الإنتقام من اللي يقتل قابيل بسبعة أضعاف، فأنا انتقم لنفسي بسبعة وسبعين ضعف.» بعدها أجتمع آدم بزوجته حواء فحملت وخلفت ولد وسمّته شيث، وقالت : “رزقني الله بولد وعوّضني عن هابيل الي قتله أخوه قابيل.” وبعدها خلف شيث ولد، فسمّاه أنوش. وفي الوقت ده كان الناس بدئوا يدعوا بإسم الله الحي القيوم.

5

ذرية آدم حتى النبي نوح

خلق الله الإنسان من ذكر وأنثى، خلقه علشان يعبر عن بعض صفاته. وسمى أول بشر آدم وباركه. وده سِجل أولاد آدم أبو البشر. لما كان عمر آدم 130 سنة، خلف ولد تاني كان شَبَهُّه بالضبط، وسماه شيث. وبعدها خلف آدم أولاد تانيين، ومات آدم وعمره 930 سنة. ولما كان عمر شيث أبن آدم 105 سنة خلف أبنه وسماه أنوش. وبعدها خلف أولاد تانيين، ومات شيث وعمره 905 سنة. ولما كان عمر أنوش ابن شيث 90 سنة خلف أبنه قينان. وخلف بعدها أولاد تانيين ومات أنوش وعمره 905 سنة. ولما كان عمر قِينان أبن أنوش 70 سنة خلف أبنه مهلليل. وبعدها خلف أولاد تانيين ومات قِينانُ وعمره 910 سنة. ولما كان عمر مَهلليل أبن قِينان 65 سَنة خلف أبنه يارَد. وبعدها خلف أولاد تانيين ومات مهلليل وعمره 895 سنة. ولما كان عمر يارَد أبن مهلليل 162 سنة خلف أبنه إدريس. وبعدها خلف أولاد تانيين ومات يارَد وعمره 962 سنة. ولما كان عمر إِدريس 65 سنة خلف أبنه متوشالح. وبعدها خلف إدريس أولاد تانيين. ومشَى النبي إِدرِيس على طريق الله ورفعه الله إليه لما كان عمره 365 سنة. ولما كان عمر متوشالح أبن النبي إدريس 187 سنة خلف أبنه لامَك. وبعدها خلف متوشالح أولاد تانيين ومات وعمره 969 سنة. ولما كان عمر لامَك 182 سَنة خلف ولد وقال: «أنا هاسميه نوح لأنه هيكون سبب في راحتنا بعد تعبنا في عيشتنا بسبَب الخطيئة اللي جلبت اللعنة علَى الأرض.» بعدها خلف لامَك أولاد تانيين ومات وعمره 777 سنة. وفي الوقت اللي كان فيه عُمر النبي نُوح 500 سنة، كان مخلف تلات أولاد وهم: سام وحام ويافث.

6

قصة النبي نوح

في زمن النبي نوح، كان الناس بدأت تكثر وتنتشر على الأرض. وكان على الأرض جماعة من الحكام الظالمين. لما كانوا يشوفوا بنات جميلة من بنات الناس، كانوا بيعصو الله وياخذوهم ويعاشروهم غصب عنهم ويخلفوا منهم أولاد. فقال الله تعالى: «مش هيدوم نَفَس الحياة من روحي في البشر للأبد، فمن الآن مش هيعيش الإنسان أكثر من مئة وعشرين سنة.» ولما شاف ربنا أن الأرض اتملت فساد وأن الشر في كل قلوب البشر زاد، تبدلت مشيئته على خلق البشر بسبب الشر اللي كانوا بيعملوه. فقال: «أنا ههلك كل البشر اللي خلقتهم من تراب الأرض، واهلك معاهم الحيوانات والزواحف وطيور السماء لأن الفساد أنتشر في كل قلوب البشر.» لكن النبي نوح كان صالح ومتمسك بصراط الله المستقيم، فرضي الله عنه واختاره من بين كل أهل زمانه. وكان للنبي نوح ثلاث أولاد وهم: سام وحام ويافث. وفي يوم من الأيام، أوحىَ الله للنبي نوح: «يا نوح، فسد البشر والظلم على الأرض أنتشر، فأنا هأهلك كل كائن حي على الأرض وههلك معهم البشر. فاعمل سفينة من خشب السَّرْو، طولها (300 ثلاث مئة) ذراع، وعرضها (50 خمسين) ذراع، وارتفاعها (30 ثلاثين) ذراع. تعملها من ثلاث أدوار: دور سفلي ووسط وعلوي. وتعمل في السفينة غُرَف. وتعمل طاقة في جنب السفينة تحت السقف بذراع واحد. وتعمل باب على جنب السفينة. وتدهن السفينة بالقطران من جوه ومن بره. فانا هنَزّل على الأرض طوفان علشان يهلك كل كائن حي بيعيش تحت السماء. أما أنت يا نوح، فأنا هاعمل معاك عهد، فتدخل السفينة أنت وزوجتك وأولادك وزوجات أولادك. وتدخل معاك في السفينة من كل نوع من الكائنات الحية زوجين، ذكر وأنثىَ، علشان تحافظ علَى حياتها وتنجىَ معاك من الطوفان . وخزن على السفينة من كل أنواع الأكل، علشان يكون أكل لكم وللحيوانات اللي معاكم.» فعمل النبي نوح كل اللي أمره به رب العالمين.

7

الطوفان

وبعد ما خلص النبي نوح بناء السفينة، أوحَى له الله سبحانه وتعالى وقال: «يا نوح، ادخل في السفينة أنت وكل أهل بيتك معاك، لأن من بين كل البشر على الأرض مفيش حد صالح غيرك. وخذ معاك سبع أزواج ذكور وإناث من كل الحيوانات الطاهرة وطيور السماء. أما الحيوانات الغير طاهرة، فتاخذ زوجين ذكر وأُنثى من كل نوع منها. لأن بعد سبع أيام، هنَزِّل مطر يدوم أربعين يوم وأربعين ليلة. وهامحي كل كائن حي خلقته من على وجه الأرض.» فعمل النبي نوح كلَّ اللي أمره به ربنا. فدخل النبي نوح السفينة ومعاه زوجته وأولاده سام وحام ويافث وزوجاتهم، ودخلت الحيوانات والزواحف والطيور معهم. بعدها قفل ربنا بقدرته باب السفينة. وبعد سبع أيام بدأ الطوفان وإنفجرت آبار المياه العميقة من الأرض واتفتحت أبواب السماء بالمطر. وفضل المطر ينزل على الأرض (من غير توقف) لمدة أربعين يوم وليلة، لحد ما ارتفعت السفينة وعامت على وش المياه. في الوقت ده كان عمر النبي نوح سُت مئة سنة وشهرين وسبعة عشر يوم. واستمرت مياه الطوفان تزيد وتعلىَ على الأرض لحد ماغطت الجبال العالية، ولحد ما ارتفعت المياه فوق قمم الجبال بأكثر من خمس عشرة ذراع. فهَلك كل كائن حي على الأرض من بشر وحيوانات وزواحف وطيور، إلا النبي نوح واللي ركبوا معاه في السفينة. وفَضَلت مياه الطوفان مغطية الأرض مدة مئة وخمسين يوم.

8

نهاية الطوفان

وبعد الفترة دي، وفَّى الله بعهده مع النبي نوح ورَحم الكائنات الحية اللي في السفينة. وسخر على الأرض ريح قوية، ووقف خروج المياه من الأرض والمطر اللي بينزل من السماء. فبدأت تقل المياه من على سطح الأرض. وبعد ما غطى الطوفان الأرض خمس شهور، رَسّت السفينة على جبل آرارات (جبل الجودي. على حدود أرمينيا وتركيا الآن). وبعد ثلاث شهور تانين، قلت المياه أكثر فظهرت قمم الجبال. فانتظر النبي نوح أربعين يوم وبعدها فتح الطاقة اللي عملها في السّفينة. وأخذ غراب وطيره. لكن الغراب طار وملقاش أرض ينزل عليها ففضل يحوم حولين السفينة لحد ما الأرض نشفت. وبعدين أرسل النبي نوح يمامة علشان يعرف إن كانت المياه اللي على الأرض نشفت. لكن اليمامة ملقتش أرض تنزل عليها فرجعت. فمسكها النبي نوح بأيده ودخلها في السفينة. واستنى سبع أيام تانيين. وطير اليمامة من السفينة مرة ثانية. فرجعت اليمامة في المساء وفي مُنقارها ورقة زيتون خضراء، فعرف النبي نوح إن المياه اللي على الأرض قلِّت. فانتظر سبع أيام، وطير اليمامة مرة تانية. لكن المرّة دي طارت ومرجعتش تاني. وفي أول يوم بعد ما تم النبي نوح ست مئة وواحد سنة، كانت المياه قلِّت من على الأرض. ففتح النبي نوح طاقة السفينة، شاف أن المياه اللي على سطح الأرض نشفت. وبعد سنة وعشرة أيام من بداية الطوفان كانت الأرض نشفت تمامًا. فأوحىَ الله للنبي نوح وقال: «يا نوح، اخرج من السفينة أنت وأهل بيتك، وخَرَّج كل الكائنات الحية اللي دخلت في السفينة معاك، فتكاثروا وزيدوا على الأرض.» فخرج النبي نوح وأهل بيته وكل الكائنات الحية اللي كانت معاه في السفينة . وبعدها بنَى النبي نوح مكان علشان يقدم عليه الآضاحي للهِ. واختار بعض الحيوانات والطيور الطاهرة، وقدمها أضحية لله. فتقبل الله بالرضا أضحية النبي نوح وقال: «الإنسان ميال للشر بطبيعته ومن طفولته. لكن مش ههلك الارض مرّة تانية بسبب الانسان. فما دامت الأرض باقية، يتواصل النهار والليل والصيف والشتاء والحر والبرد والزرع والحصاد.

9

قوس المطر - العهد

(وبعد ما وعد ربنا النبي نوح بأن الأرض متغرقش بالطوفان مرة تانية)، بارك الله النبي نوح وأولاده وقال لهم: «يا نوح، تكاثروا وعمروا الأرض بنسلكم. كل حيوانات الأرض وأسماك البحر وطيور السماء تخاف منكم وتخضع لكم. وزي ما عطيت لكم النباتاتِ الخضراءَ علشان أكلكم، دلوقت أعطيكم من كل شيء حي علشان يكون طعام لكم. لكن ماتاكلوش لحم فيه دم، لأن الدم هو الحياة. أما دمكم أنتم إن سفكه حيوان أو إنسان فأنا أحاسب اللي سفكه وأقتص لكم. فكل اللي يسفك دم إنسان، سواء كان حيوان أو إنسان لازم يتسفك دمه، لأني خلقت الإنسانَ بإيدي وعلى هيئتي علشان يعبر عن بعض صفاتي. فاكثروا واملوا الأرض وعمروها بنسلكم. وأنا هاعمل عهد معاكم ومع نسلكم من بعدكم، ومع كل كائن حي خرج من السفينة معكم، أنه لا تهلك الأرض ولا كل كائن حي عليها بالطوفان مرة تانية أبدًا. وقوس المطر في السحاب، هي علامة علَى العهد اللي عملته بيني وبينكم على مدَى أجيالكم. فكل ما يظهر قوس المطر في السحاب يكون تذكار للعهد الأبدي اللي عملته بيني وبينكم وبين كل كائن حي. أني لا أهلك الأرض ولا كل كائن حي عليها بالطوفان أبدًا.»

وبعدما خرج النبي نوح من السفينة، أنتشر نسل أولاده سام وحام ويافَث في كل الأرض. وخلف حام أربع أولاد، واحد منهم كان أسمه كنعان. وبعد ما خرجوا من السفينة اشتغل النبي نوح في الفلاحة وزراعة الأرض، وكان أول واحد غرس كروم العنب. وفي يوم من الأيام شرب النبي نوح كثير من عصير العنب من غير ما يعرف أنه تخمر، فخلع ملابسه وغلبه النوم في خيمته. فَدخل حام خيمة أبوه وشافه وهو متعري، لكن بدل ما يغطي عورة أبوه، خرج وقال لأخواته سام ويافث. فأخذ سام ويافث ثوب قماش، وحطوهُ علَى كتافهم، ومشوا بظهرهم علشان مايشوفوش عورة أبوهم، فستروه من غير ما يبصوا عليه. ولَمّا فاق النبي نوح من غفوته، وعرف اللي عمله ابنه حام، دعا النبي نوح عليه وقال: «يا حام، زي ما فضحت أبوك هيكون نسل ابنك سبب فضيحتك، فيكون عبد ذليل عند اخواته. وأنت يا سام، ربنا يبارك فيك ويجعلك سيد على كنعان. وأنت يا يافث، اسأل الله أنه يوسع عليك في الأرض والنسل، وتعيش في وفاق مع أخوك سام، ويجعلك سيد على كنعان.» وعاش النبي نوح بعد الطوفان (350 ثلاث مئة وخمسين سنة). وبعدها مات النبي نوح وعمره (950 تسع مئة وخمسين سنة).

10

سجل نسل أبناء النبي نوح

وبعد الطوفان تكاثر أولاد النبي نوح، سام وحام ويافث، وده سجل نسل أولادهم:

سجل نسل يافث أصغر أولاد النبي نوح

أولاد يافث أصغر أولاد النبي نوح سبعة، وهم: جومر اللي سكن نسله في منطقة القرم في البحر الأسود، وماجوج اللي سكن نسله منطقة الأناضول ، وماداي اللي انتقل نسله وسكنوا في أرض فارس، ويونان اللي سكن نسله على سواحل الأناضول واليونان، وتوبال وماشك اللي سكن نسلهم في منطقة الأناضول، وتيراس اللي سكن نسله جنب أخواته . وأولاد جُومر بكر يافث ثلاثة، وهم: أشكناز اللي سكن نسله منطقة ما بين البحر الأسود وبحر قزوين، وريفاث اللي سكن نسله منطقة شمال الأناضول، وتوجرمه اللي سكن نسله في المنطقة بين شمال سورية وجنوب الأناضول. أولاد يونان بن يافث أربعة، وهم: أليشه اللي سكن نسله جزيرة قبرص، وترشيش اللي سكن نسله في منطقة غرب البحر المتوسط، وكتيم اللي سكن نسله مع نسل أليشه في جزيرة قبرص ، ورودانيم سكان جزيرة رودس. واتفرع من بني يافَث سكان سواحل البحر المتوسط. ودي كانت العشائر اللي انحدرت من نسل يافث حسب لغاتهم وأراضيهم وشعوبهم.

سجل نسل حام ثاني أولاد النبي نوح

وأولاد حام ثاني أولاد النبي نوح أربعة وهم: كوش اللي سكن نسله منطقة النوبة، ومصرايم اللي سكن نسله أرض مصر، وفوط اللي سكن نسله أرض ليبيا، وكنعان اللي سكن نسله أرض فلسطين. وأولاد كوش النوبي بكر حام خمسة، وهم: سبا وحويلة وسبتة ورعمة وسبتكا اللي سكن نسلهم في المنطقة العربية. وأولاد رعمة بن كوش بن حام إثنين، وهم سبأ وددان. وَكوش النوبي خلف أبن سماه نمرود. وكان نمرود محارب وحاكم جبار وكان ربنا وهب نمرود مهارة في الصيد. علشان كده المثل بيقول: «ربنا وهبه مهارة الصيد زي نمرود.» ولما بدأ نمرود يحكم، عمل مملكته في مدن بابل وأرك وأكد وكلنة في أرض بابل. وبعدين امتدت مملكته لحد أرض أشُّور في الشمال. وهناك بنى مدن نينوى، ورحوبوت عير، وكالح، وكمان بنَى مدينة رَسن العظيمة الموجودة بين نينوَى وكالح. ومصرايم بن حام خلف سبع أولاد، ومنهم أنحدرت سبع قبائل: بني لود اللي سكن نسله بالقرب من مصر، وبني عنام اللي سكن نسله منطقة ساحل مصر الغربي، وبني لهاب اللي سكن نسله أرض ليبيا، وبني نفتوح اللي سكن نسله في شرق دلتا النيل، وبني فتروس اللي سكن نسله صعيد مصر، وبني كسلوح، وبني كفتور اللي سكن نسله جزيرة كريت واللي خرج منهم شعب فلسطيا. وكنعان بن حام خلف ولدين وهما: صيدون اللي سكن نسله جنوب لبنان، وحثا اللي سكن نسله منطقة حبرون. كمان خرجت من كنعان تسع قبائل، وهم: اليبوسيين في منطقة القدس، والأموريين في جنوب الشام والجرجاشيين، والحوّيين في منطقة شمال الشام، والعرقيين والسينيين في شمال لبنان، والأرواديين سكان جزيرة أرواد على ساحل سورية، والصماريين في شمال لبنان، والحمويين سكان حماة في شمال سورية. ومنهم انتشرت عشائر الكنعانيين. وامتدَّت أرض الكنعانيين من صيدا على ساحل لبنان لحد غزة، ومن شمال بحر الجليل لحد جنوب البحر الميت. دي كانت العشائر اللي انحدرت من نسل حام بحسب لغاتهم وأراضيهم وشعوبهم.

سجل نسل سام بن النبي نوح

سام هو أخو يافث الكبير وأكبر أولاد النبي نوح. ومن نسل سام بن نوح اتولد عابر وهو أبو جميع العبرانيين. أولاد سام خمسة، وهم: عيلام اللي سكن نسله فارس وشمال منطقة شط العرب، وأشور اللي سكن نسله منطقة شمال نهر دجلة، وأرفكشاد اللي سكن نسله قريب من نسل أشور، ولود اللي سكن نسله منطقة غرب الأناضول، وآرام اللي سكن نسله في سورية. وأولاد آرام أربعة، وهم: عوص اللي سكن نسله شمال غرب المنطقة العربية، وحول وجاثر وماشك. وأرفكشاد بن سام خلف شالح. وشالح خلف عابر. وعابر خلف ولدين: اسم الأول فالق، لأن أهل الأرض انقسموا في أيامه، وسكن نسله في أرض ما بين النهرين. واسم ابنه الثاني قحطان اللي سكن نسله اليمن و جنوب المنطقة العربية. ومن نسل قحطان بن عابر جاء ثلاثة عشر ولد، وهم: مداد وشالف وحضرموت ويارح، وهدورام وأوزال ودقلة، وعوبال وأبيمايل وسبأ، وأوفير وحويلَة ويوباب. كل دول هم نسل قحطان بن سام وسكنوا في اليمن ومنطقة جنوب الجزيرة العربية. دي كانت العشائر اللي انحدرت من نسل سام بحسب لغاتهم وأراضيهم وشعوبهم. وده كان عرض أنساب الشعوب اللي انحدرت من أولاد نوح حسب فروع نسلهم، ومنهم انتشرت بقية الشعوب علَى الأرض بعد الطوفان.

11

قصة برج بابل

في الأول كان البشر بيتكلمو بلسان واحد وبيستعملو كلمات معروفة بين كل الناس. ولما رحل الناس من الشرق، استقروا في أرض بابل. وبعدين قالوا لبعض: «تعالوا نبني مدينة وبرج توصل قمته للسماء. ونستخدم في بناء البرج القطران وطوب القش المُجفف بالنار بدل من الحجارة والطين. فتنتشر شهرتنا بين الناس، ومنتفرقش على الأرض ولا يتنسىَ أسمنا.» لكن لما شاف ربنا الناس بيبنو المدينة والبرج، قالَ: «الناس دي بيعملو كده لأنهم شعب واحد وبيتكلموا بنفس اللسان. وبعد كده ممكن يعملوا أي حاجة هم عايزينها. فهَنزِّل عليهم اللي يبلبل لسانهم، فميقدروش يفهموا بعضهم بسبب إختلاف لغاتهم.» فَبلبل الله لسانهم، وشتتهم من هناك في الأرض كلها. وده سبب تسمية مدينة بابل بالأسم ده.

سجل نسل سام بن نوح

بعد سنتين من الطوفان، خلف سام بن النبي نوح أرفكشاد لما كان عُمره (100 مئة) سنة، وكمان خلف أولاد وبنات تانيين. ومات لما كان عمره (600 ست مئة) سنة. وأرفكشاد بن سام خلف ابنه شالح لما كان عُمره (35 خمس وثلاثين) سنة، وكمان خلف أولاد وبنات تانيين، ومات لما كان عُمره (438 أربع مئة وثماني وثلاثين) سنة. وشالَح خلف ابنه عابر لما كان عُمره (30 ثلاثِين) سنة، وكمان خلف أولاد وبنات تانيين، ومات لما كان عُمره (433 أربع مئة وثلاث وثلاثين) سنة. وعابِر خلف ابنه فالق لما كان عمره (34 أربعة وثلاثين) سنة، وكمان خلف أولاد وبنات تانيين، ومات لما كان عُمره (464 أربع مئة وأربع وستين) سنة. وفالق خلف ابنه رعو لما كان عمره (30 ثلاثين) سنة، وكمان خلف أولاد وبنات تانيين، ومات وعُمره (239 مئتين وتسع وثلاثين) سنة. ورَعو خلف ابنه سروج لما كان عمره (32 اثنتين وثلاثين) سنة، وكمان خلف أولاد وبنات تانيين، ومات وعُمره (239 مئتين تسع وثلاثين) سنة. وسَروج خلف ابنه ناحور لما كان عمره (30 ثلاثين) سنة، وكمان خلف أولاد وبنات تانيين، ومات وعُمره (230 مئتين وثلاثين) سنة. وناحور خلف ابنه تارح لما كان عمره (29 تسعة وعشرين) سنة، وكمان خلف أولاد وبنات تانيين، ومات وعُمره (148 مئة ثمانية وأربعين) سنة. ولما كان عمر تارح (70 سبعين) سنة، كان عنده ثلاثة أولاد، هم: إبراهيم وناحور وهاران.

نسب النبي إبراهيم

ده سجل نسل تارح: تارح خلف إبراهيم وناحور وهاران. وخلف هاران ابنه لوط، ومات قبل أبوه تارَح في أُور الكَلدانيِّين وهي الأرض اللي اتولد فيها في بلاد ما بين النهرين. وإبراهيم اتجوز سارة. وأخوه ناحور اتجوز مِلْكةَ بنت هاران. وكانت سارة زوجة إبراهيم عاقر مش بتخلف.

في يوم من الأيام، أخذ تارَح ابنه إبراهيم وحفيده لوط بن هاران، وسارَه زوجة ابنه إبراهيم، ورحل بهم مِن أور الكلدانيين في جنوب أرض ما بين النهرين واتجهوا لأرض الكنعانين. لكن لما وصلوا حاران في شمال سورية استقروا فيها. وهناك توفى الله تارح وعُمره 205 سنة.

12

قصة النبي إبراهيم

وفي يوم من الأيام، أوحى الله تعالى للنبي إبراهيم: «يا إبراهيم، ارحل عن أرضك وسيب بيت أبوك وأهلك وروح للأرض اللي هقولك عليها. وأنا اجعل فيك البركة واجعل أمة عظيمة تخرج من نسلك، واكرم اسمك وتكونَ منك بركة للعالمين. واُكرم اللي يكرمك وأهين اللي يهينك، وبك تتبارك أمم الأرض أجمعين». فأطاع النبي إبراهيم أمر رب العالمين. وأخذ النبي إبراهيم ساره زوجته ولوط ابن اخوه ومعاهم كل املاكهم والعبيد اللي امتلكوهم في حاران، ورحلوا على أرض الكنعانين. وقتها كان عُمر النبي إبراهيم (75 خمسة وسبعين) سنة. ولما وصلوا أرض كنعان اللي كانت بتسكنها قبائل الكنعانيين، اتنقل النبي إبراهيم لحد ما وصلوا عند شجرة ممرا المقدسة، اللي جنب بلدة شكيم القريبة من جبل جرزيم (الموجودة دلوقت بالقرب من مدينة نابلس في فلسطين). وهناك أوحى الله تعالى للنبي إبراهيم: «يا إبراهيم، الأرض دي وهبتها لذريتك». فبنَى النبي إبراهيم (مكان ما أوحىَ له الله) بيت عبادة يقدم فيه لله القرابين. بعدها رحل النبي إبراهيم مِن بلدة شكيم للجبل شرق مدينة بيت إيل، ونصب خيامه ما بين بيت إيل في الغرب وقرية عاي في الشرق. وبنَى هناك كمان بيت عبادة يقدم فيه الآضاحي ودعا بسم الله الحي القيوم. بعدها كمل النبي إبراهيم رحلته للجنوب ناحية صحراء النقب (جنوب فلسطين). في الوقت ده حصلت مجاعة شديدة في أرض الكنعانيين، فواصل النبي إبراهيم رحلته للجنوب علشان يعيش فترة في أرض المصريين. وقبل ما يصلوا مصر، قال النبي إبراهيم لزوجته ساره: «اسمعي، أنا عارف أنك امرأة جميلة، وممكن لما يشوفِك المصريين، يقتلوني علشان ياخذوكي. علشان كده ممكن تقولي لهم أنك اُختي، فتحفظي حياتي ويكرموني بسببك». وَلما دخل النبي إبراهيم مصر لفت جَمال ساره أنظار الناس. ولما شافها رجال قصر الفرعون، مدحوا في جمالها للفرعون، فأمر انهم يجيبوها عنده في القصر علشان تكون ضمن الحريم. لكن الله تعالى اصاب فرعون وأهل بيته بأمراض وبلايا عظيمة، لأن الفرعون أخذ سَارَه زوجة النبي إبراهيم. فاستدعَى الفرعَون النبي إبراهيم، وقالَ له: «ايه اللي أنت عملته معانا ده يا إبراهيم؟ لِيه ماقولتش أن سارة زوجتك؟ ولِيه قلت أنها أُختك لحَد ما أخذتها تكون عندي ضمن الحريم؟ دلوقت خد زوجتك وَارحلوا من هنا فوراً». وأَمر الفرعون رجالته أنهم يتأكدوا من رحيل النبي إبراهيم من بلادهم، فمشى رجالة الفرعون مع النبي إبراهيم وزوجته ومعاهم كل اللي كانوا يملِكوه، لحد ما بعدوا عن أرضهم.

13

رجوع النبي إبراهيم من مصر

وخرج النبي إبراهيم من مصر ومعاه زوجته ولوط ابن أخوه وكل أملاكهم، وراحو ناحية صحراء النقب في جنوب فلسطين. وبقى إبراهيم غني وبيملك ثروة عظيمة من الذهب والفضة والمواشي والأغنام. وتنقل النبي إبراهيم فِي صحراء النقب، لحد ما وصل مدينة بيت إيل. وسكن في نفس المكان اللي كان مخيم فيه قبل كده، واللي كان بنَى فيه مكان لعباده الله وقَدَم الآضاحي فيه لله هناك. وَلما رجع هناك، تعبد النبي إبراهيم لله تاني ودَعا بسم الله رب العالمين.

افتراق أبراهيم ولوط

وكان لوط ابن أخو النبي إبراهيم هو كمان صاحب أملاك ومواشي وأغنام. في الوقت ده كان الفريزيين والكنعانيين هم كمان في نفس الأرض ساكنين. فضاقت الأرض من كثر أملاك لوط والنبي إبراهيم، وبقَى صعب أنهم يعيشوا مع بعض متجاورين. فبدأ الخلاف على المراعي بين رعاة غنم لوط ورعاة غنم النبي إبراهيم. ولما عرف النبي إبراهيم بالمشاكل اللي بين الرعاة، قال للوط: «يا أبن أخي، أحنا أهل ومايصحش أن يحصل خلاف بيننا، ولا بين رعاتنا. مش فيه أراضي واسعة قدامك؟ اختار منها اللي يعجبك وخلينا نفترق أفضل لنا. لو روحت أنت للشمال، أروح أنا للجنوب، ولو روحت أنت للجنوب، اروح أنا للشمال».

لوط يختار سدوم

فرفع لوط عينه وبص حواليه، فشاف أن وادي الأردن لحد مدينة صوغر مليان بالمياه ويشبه الجنة زي أرْض مِصْرَ. كل ده حصل قبل ما يدَمر الله سدوم وعمورة. فاختار لوط لنفسه وادي الأردن كله ورحل ناحية الشرق، ونصب خيامه بالقرب من مدينة سدوم اللي كان أهلها أشرار وفاسدين. أما النبي إبراهيم ففضل في أرض الكنعانيين. وبكده أفترق لوط عن النبي إبراهيم. وبعد ما أفترق لوط عن النبي إبراهيم، أوحى الله تعالى للنبي إبراهيم وقال له: « يا إبراهيم ، دقق النظر في كل اللي حواليك. الأرض دي اللي أنت شايفها، أنا عطيتها لك وتورثها ذريتك جيل بعد جيل. واعطيك نسل اكتر من حبات الرمل على الارض، من كترهم يعجز الناس عن عدهم. قوم يا إبراهيم وتجَول في الأرض اللي وهبتها لك». فسجد النبي إبراهيم شكر لله. وبعدها رحل النبي إبراهيم وعاش عند بلوطات ممرا بالقرب من مدينة حبرون الخليل. وبنَى هناك مكان لعبادة الله وتقديم الأضاحي.

14

حرب الملوك

في الوقت ده، كان خمسة من ملوك وادي الأردن خاضعين من ١٢ سنة لسلطة مَلك عيلام في بلاد ما بين النهرين، وفي السنة الـ ١٣ تمرد عليه الملوك الخمسة. بعدها بسنة جمع ملك عيلام قواته واستعان بتلاته من حلفائه في بلاد ما بين النهرين، ومشوا الملوك الأربعة بالجيوش لمحاربة الملوك الخمسة المتمردين. فحشد الملوك الخمسة قواتهم في وادي البحر الميّت علشان يدافعوا ضد الملوك الأربعة المهاجمين. فقامت الحرب وانتصر الملوك الأربعة المتحالفين على الملوك الخمسة المتمردين، واخدوا كلّ الغنائم اللي نهبوها، وكمان اخذوا لوط أبن أخو النبي إبراهيم اللي كان بيعيش في سدوم وأملاكه من ضمن المأسورين، ورحلوا على بلادهم راجعين.

إنقاذ لوط من الأسر

لما كان النبي إبراهيم ساكن في حبرون الخليل، عرف باللي حصل في سدوم من واحد من رجالة لوط الهربانين. فلمّا عرف النبي إبراهيم أنهم أخذوا ابن أخوه أسير ، جمع الخدم المولودين في بيته وعددهم ٣١٨ من الرجالة المُخلصين، وكمان رجالة حلفائه ممرا وأشكول ورجالة أخوه عانر وتبِعوا الملوك الأربعة ناحية الشمال لحد ما لحقوهم عند مدينة دان القريبة من مرتفعات الجولان. وبالليل، قسّم النبي إبراهيم رجالته، وهجموا عليهم من كلّ اتجاه، فهزموهم وطاردوهم ناحية شمال دمشق. بعدها رجع النبي إبراهيم ومعه لوط والغنائم والنساء وكل المأسورين.

الملك مالك صادق يدعي بالبركة لإبراهيم

ولما رجع النبي إبراهيم بعدما هزم ملك عيلام وحلفائه، خرج يستقبله مالكصادق ملك أورشليم القدس اللي كان من أولياء الله الصالحين، وقدم خبز وشراب للنبي إبراهيم. وباركه وقال: اللهم ربي العلي العظيم يا خالق السموات والأرض بارك إبراهيم. وتبارك الله العلي العظيم اللي جعل أَعداءك بين ايديك خاضعين. فقدم النبي إبراهيم للملك مالكصادق زكاة العُشر من الغنائم. وبعدها جا ملك سدوم وقال للنبي إبراهيم: «يا إبراهيم احتفظ بكل اللي غنمت من ثروة لنفسك وسيبلي أنا الأسرى المتحررين». فجاوبه النبي إبراهيم: «أنا أقسمت بالله العلي العظيم، خالق السماواتِ والأرض وعاهدته أني ماخودش أي حاجة منك، حتى وإن كان رباط نعل بسيط علشان ماتقولش: أنا أغنيت إبراهيم. مش هاخد منك غير اللي أكله رجالتي. أما حلفائي ممرا وعانر وأشكول ورجالتهم، فهم أحرار في نصيبهم». وبعدها رجع النبي إبراهيم ورجالته على حبرون الخليل.

15

عهد الله مع إبراهيم

بعد ما رجع النبي إبراهيم ورجالته من الحرب لمدينة حبرون الخليل، أوحى الله في الرؤيا للنبي إبراهيم: «يا إبراهيم ، ماتخافش. أنا هحفظك واحميك وأجرك عندي عظيم». فقال النبي إبراهيم: «يا ربي العظيم، أيه نفع النعمة اللي عطيتها لي وعبدي أليعازر الدمشقي هو اللي هيورثني؟ يا رب أنت مارزقتنيش بأولاد، واللي هيورثني عبد مولود في بيتي» فأوحى الله للنبي إبراهيم: «العازر عبدك مش هيورثك، لكن اللي هيورثك هيخرج من صلبك ». وبعدها خَرج الله النبي إبراهيم وقاله: «بص في السما يا إبراهيم وعد النجوم لو تقدر. نسلك هيكون زي عدد نجوم السما يا إبراهيم». فآمن إبراهيم بوعد الله، فرضي الله عنه وتقبله من الأبرار الصالحين. وَقال الله للنبي إبراهيم: «أنا هو الله اللي خرجك من بلاد ما بين النهرين علشان اعطيك الأرض دي». فَقال النبي إبراهيم: «ربي أزاي أعرف إن الأرض دي هتكون ملكي؟» فأوحى الله للنبي إبراهيم: «تجيب عجل وعنزة وكبش عمرهم ٣ سنين، وتجيب معاهم يمامة وحمامة وتعمل زي ما هقول لك». فعمل النبي إبراهيم زي ما أمره رب العالمين فذبح البهائم وشقها نصين وخلا النصين قدام بعض متقابلين، وذبح الطيور وسابها من غير ما يشقها نصين. (علامة على العهد بين المتعاهدين.) ولما نزلت الطيور الجارحة علشان تاكل من الأضاحي، طردها النبي إبراهيم. ولما مالت الشمس للغروب نام النبي إبراهيم وراح في نوم عميق، ونزل عليه ظلام رهيب كثيف. وقال الله تعالى للنبي إبراهيم: «أعلم باليقين يا إبراهيم أن نسلك هيكونوا غُرَبا ويعيشوا في أرض مش أرضهم، ويكونوا عبيد لأهلها ٤٠٠ سنة مذلولين. لكن أنا هعاقب الأمة اللي كانوا فيها مذلولين، وبعدها يخرج نسلك بثروة متحملين. ويرجعوا في الجيل الرابع من نسلك للأرض دي. في الوقت ده هيكون زاد وامتد شر أهل البلاد وحق عليهم العقاب.» وبعد الغروب لما خيم الظلام ظهر موقد بيخرج منه دُخان وشعلة من لهب بتعدي بين أنصاف الحيوانات المقطوعين.

الوعد بالأرض

في اليوم ده أقام الله عهد مع نبيه إبراهيم وقال له: «لنسلك أعطي الأرض اللي من نهر مصر لنهر الفرات العظيم».

16

قصة هاجر وإسماعيل

أما سارة زوجة النبي إبراهيم فكانت مش بتخلف، وكان عندها جارية مصرية أسمها هاجَر. وبعد ما عدت على إقامة النبي إبراهيم في أرض كنعان ١٠ سنين، قالت سارة للنبي إبراهيم: «إرادة ربنا أني اتحرم من الخلفه وأكون عقيم، فادخل على هاجر، ولو خلفت ولد اخذه أنا لنفسي». فزَيّ ما قالت سارة عمل النبي إبراهيم.

إذلال هاجر وهربها

وحصل أن النبي إبراهيم أجتمع بهاجر فحملت، ولما عرفت أنها حامل بدأت تتكبر على سارة وتحتقرها. فقالت سارة للنبي إبراهيم: أنا مظلومة بسببك، فأنا اللي خليتك تتجوزها، ولما عرفت أنها حامل هُنت أنا في عنيها، والله يحكم بيني وبينك. فرد النبي إبراهيم عليها وقال: هي ملك أيدك وأنتي حرة فيها. فبدأت سارة تعامل هاجر بقسوة لحد ما هاجر هربت منها.

هاجر تسمي الله بأسم أنت إلهي اللي شايف حالي

وظهر لهاجر ملاك الله بالقرب من عين المياه اللي على الطريق لمصر عبر صحراء سيناء. فسألها الملاك: «يا هاجر، أنتي جاية منين ورايحة على فين؟» فردت هاجر: أنا هربانة من مولاتي سارة وقسوتها. فقال لها ملاك الله: «ارجعي يا هاجر لمولاتك وأسمعي كلامها، وأنا اُكثر نسلك فلا يحصاه البصر. أنتي دلوقتي حامل، وهتولدي ولد وتسميه إِسماعيل لأن الله هو السميع وسامع صرخة تعبك. وأبنك هيكون رجل زي وحوش البرية أيده مرفوعة على الجميع ، الكل يعاديه وهو يتحدى الجميع». فدعت هاجر الله بأسم أنت إلهي اللي شايف حالي، لأن هاجر شافت وحي الله ظهر وكلمها وفضلت عايشه، فقالت: «بالحق أنا شفت اللي شايف حالي!». علشان كده البئر ده في سيناء أسمه «بئر الحي البصير».

مولد إسماعيل

وبعدها ولدت هاجر للنبي إبراهيم ولد، فسماه إسماعيل. وكان عمر النبي إبراهيم ٨٦ سنة لما ربنا رزقه بأبنه إسماعيل.

17

العهد والختان

لما كان عمر النبي إبراهيم ٩٩ سنة، أوحىَ له رب العالمين وقال: «يا إبراهيم، أنا هو الله القدير، إن اطعتني ومشيت على صراطي المستقيم. فإنا أحفظ عهدي معاك وأكثر نسلك زي عدد نجوم السما ». فسجد النبي إبراهيم لله، فقال له رب العالمين: «عهدي لك يا إبراهيم أنك تكون أب لأمم كثيرة. من الآن هيتغير أسمك، وبدل من أَبرام ،هيكون أسمك إبراهيم، لأنك هتكون أب لأمم كثيرة؛ وأنا بالزيادة أكثر ذريتك، وأمم كثيرة تخرج من صلبك، وكمان هيخرج ملوك من نسلك. وأنا أحفظ عهدي معك ومع نسلك، وأكون إلهك وإله كل اللي يخرجوا من نسلك. وكل أرض كنعان اللي أنت فيها دلوقتِ متغرب، للأبد هاوهبها لك أنت ونسلك، وأكون إله لنسلك من بعدك. أما أنت يا إبراهيم وكل نسلك، فعليكم الطاعة وأنكم تمشوا على صراطي المستقيم. والعلامة على طاعتكم لعهدي معاكم هي ختان ذكوركم، فلازم يكون كل ذكوركم مختونين. من الآن، كل ذكر مولود من نسلك، وكل ذكر مولود في بيتك من العبيد أو الغرباء المملوكين، بعد ثمانية أيام من ولادتهم لازم يكونوا مختونين. فيكون الختان علامة على العهد في أجسامهم إلى أبد الأبدين. أما الذكور غير المختونين فيطردوا من بين أهلهم لأنهم لعهدي مخالفين.

وعد الله لسارة

أما زوجتك فمن الآن مش هيكون اسْمها ساراي، لأن من الآن اسمها هيكون سارة. وهبارك فيها فتكون أُمّ لِأمم كثير، وأعطيك أبن منها، ويخرج ملوك من ذريتها». فسجد النبي إبراهيم لله وضحك وقال في نفسه: «هو ممكن أني أخلف ولد وأنا عمري قرب على (100 مئة) سنة، أو ممكن أن سارة تولد وهي في سن التسعين؟»

وقال النبي إبراهيم: «يا إلهي، يكفيني أنك جعلت إسماعيل وريثي» فقال الله لإبراهيم: «لا، لكن زوجتك سارة تولد لك أبن وهيكون أسمه إسحاق. وأحفظ عهدي معاه ومع ذريته من بعده. أما إسماعيل فأنا سمعت دعوتك، وهباركه بنسل كثير. وهيكون أب لـ ١٢ زعيم قبيلة، وأجعل من نسله أمة كثيرة. لكن عهدي أقيمه مع إسحاق الي هتولده لك سارة فِي الوقت ده من السنة الجاية». ولما أنتهى كلام الله مع النبي إبرهيم، تركه ملاك الله وصعد للسماء.

تنفيذ عهد الختان

وفي نفس اليوم أطاع النبي إبراهيم أمر رب العالمين وختن نفسه وختن ابنه إسماعيل. وكمان ختن كل الذكور المولودين في بيته من العبيد أو الغرباء المملوكين. وفي اليوم ده كان نبي الله إبراهيم عمره ٩٩ سنة، وإسماعيل كان عمره ١٣ سنة.

18

ملائكة السماء في ضيافة النبي إبراهيم

وبعد فترة من الختان والوعد بولادة إسحاق، أوحي الله للنبي إبراهيم عند أشجار بلوط ممرا، لما كان قاعد عند مدخل خيمته وقت اشتداد الحر. فشاف النبي إبراهيم ٣ ملائكة في هيئة رجال بالقرب منه واقفين. فقام وجرى بسرعة علشان يستقبلهم وانحنى قدامهم، وقال: «يا سادة، لو كنت أنول رضاكم، فتفضلوا عندي ضيوف مُكَرَمين. اسمحوا لي اجيب شوية مياه، فَتَغْسِلُوا رجليكُم وتستريحو في ظل الشجرة. وأقدم لكم لقمة علشان تتقوتو بها قبل ما تمشوا في طريقكُم». فوافقوا وقبلوا ضيافة النبي إبراهيم. فرّاح النبي إبراهيم بسرعة لخيمته وقال لسارة زوجته: «بسرعة اعجني كيس من أحسن الدقيق اللي عندنا». وبعدها أسرع النبي إبراهيم لقطيع المواشي، واختار واحد من أفضل العجول اللي عنده، وأمر خدمه أنهم يعجلوا في تحضيره. ولما الأكل جهز، قَدم النبي إبراهيم للضيوف حليب وزبدة مع العجل المشوي. ووقف يخدمهم وهم قاعدين تحت الشجرة. فقالوا له: «فين زوجتك سارة يا إبراهيم؟» فقال النبي إبراهيم: «هي هناك في الخيمة.» فقال له واحد منهم: «لما أرجعلك في نفس الوقت ده من السنة الجاية، هتكون زوجتك سارة خلفت لك ولد». وكانت سارة بتتصنت على كلامهم من ورا حجاب مدخل خيمتها. وكانَ النبي إبراهيم وسارة شيوخ ومتقدمين في العمر، ومن سنين طوال كانت أنقطعت عن سارة عادة النساء. فضحكت سارة وقالت في نفسها: «وهو ممكن أنول الفرحة دي وأنا عجوز عقيم وكمان زوجي شيخ من المُسنين؟» فقال الوحي للنبي إبراهيم: «أزاي سارة تضحك وتشك في كلامي، وتقول أزاي يكون لي ولد وأنا عجوز عقيم؟ هل فيه حاجة مستحيلة على الله القدير؟ أنا هارجع لك في نفس الوقت ده السنة الجاية زي ما وعدتك، وقتها هتكون سارة خلفت لك غلام حليم.» فخافت سارة وأنكرت وقالت: «أنا ماضحكتش.» فقال لها: «لا، أنتِ ضحكتي.»

ولما قام الرجال ومشوا ناحية مدينة سدوم، مشَى النبي إبراهيم معاهم علشان يودعهم. وفي الطريق قال الله: «أفضل أن إبراهيم يعرف اللي هاعمله بسدوم وعمورة قوم لوط. لأن نسل إبراهيم هيكون أمم عظيمة وبه أبارك أمم الأرض أجمعين. وأنا أصطفيته علشان يوّصي أهل بيته وكل نسله من بعده بأنهم يطيعوني ويتمسكوا بالحق والعدل على الدوام. فإن أطاعوني وحفظوا عهدي، اُكثر نسله وأتمم له وعدي»

بعدها أوحى الله للنبي إبراهيم: «يا إبراهيم، سمعت أن أهل سَدوم وعَمورة فسدوا وكثرت فيهم معاصي الظالمين. وأنا هنزل لهم رُسلي علشان نتأكد إن كانوا يستحقوا الهلاك.» بعدها رحل الرجال وراحوا على سدوم، لكن النبي إبراهيم فضل واقف في حضرة رب العالمين. فتقَرَب النبي إبراهيم وقال: «ربي أنت الحكم العدل، فهل ممكن تهلك الأبرياء مع المذنبين؟ لو كان في المدينة خمسين صالحين، فهل تهلكها ولا تعفو عنهم رحمة بالصالحين؟ حَاشَا لك يا رب أنك تهلك الأبرياء مع المذنبين، فأنت الحكم العدل. وهل لا تحكم بالعدل وأنت خير الحاكمين؟» فقال الله: «إن كان في سدوم خمسين صالحين عفيت عنها إكراماً للصالحين.» فقال النبي إبراهيم: «عبدك رجل بسيط من تراب وطين، فعفوك ربي لو كنت من المجادلين. لو كان في المدينة خمسة وأربعين صالحين، فهل تهلك المدينة كلها بسبب الخمسة الناقصين؟» فقال الله: «لا أُهلكها إن كان فيها خمسة وأربعين من الصالحين.» فقال النبي إبراهيم: «ربي، وإن كان في المدينة أربعين فقط صالحين؟» فقال الله: «لا أُهلكها إكرامًا للأربعين.» فقال النبي إبراهيم: «ربي أرحمني ولا تؤاخذني، ولو كان في المدينة بس ثلاثين صالحين؟» فقال الله: «لا أُهلكها إكرامًا للثلاثين.» فقال النبي إبراهيم: «ربي أغفر لي لو تجرأت وتكلمت! طيب لو كان في المدينة فقط عشرين صالحين؟» فقال الله: «لا أُهلكها إكرامًا للعشرين.» فقال النبي إبراهيم: «ربي لا تغضب علَى عبدك إن زدت مرة أخيرة، طيب لو كان في المدينة عشرة بس صالحين؟» فقال الله: «لا أُهلكها إكرامًا للعشرة الصالحين.» ولما أتم الله كلامه، رجع لخيمته النبي إبراهيم.

19

هلاك سدوم

لما كان النبي إبراهيم بيكلم الله، وصل الملكين لسدوم عند المساء. وكان النبي لوط أبن أخو النبي إبراهيم قاعد عند باب المدينة. فلما شافهم قام بسرعة وراح ناحيتهم وانحنى على الأرض قدامهم، وقال: «يا سادة، لو تكرمتم علىَّ اتفضلوا في بيتي، فتغسلوا رجليكم وتقضوا الليلة، والصبح تمشوا في طريقكم». لكن الملكين قالوا للوط: «لا، احنا هنقضي الليلة في ساحة المدينة» لكن النبي لوط أصر وفَضَل يلح عليهم لحد ما قبلوا ضيافته. فجهز لهم بسرعة أكل وقدم لهم.

ولكن قبل ما يناموا جاء كل رجالة سدوم من شباب وشيوخ، واتجمعوا حولين بيت النبي لوط من كل ناحية، وصرخوا: «يا لوط، فين الرجلين الي جم عندك بالليل، خرجهم لنا علشان نُفْجُر بالأتنين». فَخَرج لهم النبي لوط وقفل بَاب بيته وراه، وقال: «يا أخواني أتوسل إليكم بلاش تعملوا كده لأن ده شر عظيم. اهُّم بَنَاتِي الأتنين عذارى لو كُنْتُمْ مُصرينَ، لكن ماتؤذوش الضيوف الي في بيتي محتمين». فقالوا له: «أبعد عن طريقنا. أنت غريب عننا، بأي حق تأمرنا وتحكم علينا؟ فهنعمل فيك شر أكتر من اللي كنا هنعمله في ضيوفك الأتنين». فزقوا النبي لوط بقوة وحاولوا يكسروا الباب. لكن الملَاكين فتحوا الباب ومدوا أيديهم ودخلوا لوط جوه البيت وقفلوا الباب وراهم. وبعدها أصاب الملكين كل الرجالة اللي متجمعين على الباب بالعمَى فمقدروش يشوفوا باب البيت.

وقال الملكين: «يا لوط، الله سمع أن أهل سَدوم وعَمورة فسدوا وعَظُمَت فيهم معاصي الظالمين. فأرسلنا علشان هلاك المدينة. فأخرج أنت وأهل بيتك من المدينة وخَرَّج معك كمان خُطاب بناتك وكل أهلك القريبين.» فخرج لوط وراح لخُطاب بناته وقال لهم: «يلا، قوموا واخرجوا من هنا بسرعة لإن الله هيدمر المدينة». لكنهم ضحكوا وماسمعوش كلامه. ولما طلع الفجر قال الملكين للنبي لوط: «يا لوط، يلا بسرعة علشان الله هيدمر المدينة، أخرج أنت وزوجتك وبناتك الأثنتين وإلا هتهلكوا مع الهالكين.» لكن النبي لوط اتردد. فأخذ الملكين النبي لوط من ايده، وخرجوه من المدينة ومعاه بناته وزوجته. وبكده، رحم الله لوط وخرجه هو أهل بيته من سدوم إكرامًا لشفاعة النبي إبراهيم.

وبعدما خرّجوهم من المدينة قال لهم واحد من الملاكَين: «أهربوا بسرعة ونجوا نفسكم، ومحدش منكم يلتفت وراه وماتُقفوش في السهل، لكن أهربوا ناحية للتلال علشان تكونوا أمنين». فقال لوط: «يا سيدي، لك الشكر بعد ما لطفت بحالي وخلصت حياتي، لكن التلال دي بعيدة جدًا، ويمكن نهلك في الطريق قبل ما نوصل لها. شوف، فيه هناك قرية صغيرة قريبة، لو سمحت لنا نروح لها هنكون فيها آمنين». فقال له الملاك: «طيب، أعمل زي ما قلت، اسرع وروح للقرية اللي أنت اخترتها، لأني مش هَدَّمَر سدوم وعمورة إلا بعد ما توصلوا أنتم القرية.» ولأن النبي لوط قال عليها قرية صغيرة، اتسمت القرية بسم صوغر.

ولما وصل النبي لوط لصوغر كانت الشمس بدأت تشرق على الأرض. فأمطر ربنا على سدوم وعمورة حجارة ملتهبة من سجيل. فأهلك الله المدينتين وكل سكانهم، وهلكت معها كل نباتات الوادي وأشجارها. أما زوجة النبي لوط فكانت ماشيه وراه، لكنها بصت وراها فتحولت لعمود ملحِ وهلكت مع الهالكين.

وفي صباح نفس اليوم، رجع النبي إبراهيم للمكان اللي اتكلم فيه مع الله. فبص تحت ناحية سدوم وعمورة وكل الوادي من حوليها فشاف الدخان على كل الأرض وكأنه طالع من فرن حامي. واستجاب الله لدعوة النبي إبراهيم، فنجَى النبي لوط وأهل بيته قبل ما يهلك مُدن الوادي.

ولما وصل النبي لوط وبناته قرية صوغر، خاف أنه يعيش فيها. فرحل مع البنتين للتلال اللي قال له الملاك في الأول عليها وعاشوا في كهف مُنعزلين. وبعد فترة حملت البنتين وخلفوا ولدين. الكبيرة سمت أبنها موآب وهو أبو الموآبيين، وأرضهم شرق البحر الميّت. والبنت الصغيرة سمّت أبنها عمّون وهو أبو بني عمّون وأرضهم شمال أرض الموآبيين.

20

أبيمالك والنبي إبراهيم

بعد فترة من هلاك سدوم وعمورة، رحل النبي إبراهيم من أرض ممرا الأموري في إتجاة الجنوب، لمنطقة النقب بين قادش وبرية شور شمال صحراء سيناء. ولما سكن النبي إبراهيم فترة من الوقت في مدينة جَرَار القريبة من الساحل جنوب فلسطين، وادّعَى قدام الناس هناك أن سارة أخته ومش زوجته. (لأنه خاف أنهم يقتلوه علشان يأخذوها.) فَبعت أبيمالك ملك مدينة جرار جنوده علشان يجيبوها عنده. ولكنّ الله اوحَى لأبيمالك في حلم وقاله: «يا أَبيمالك، أنت اخدت امرأة متزوجة في بيتك، علشان كده هتموت». وماكانش أَبيمالك لسه لمسَها، فقال: «يا رب، وهل تهلك ناس أبرياء مش مذنبين؟ هو بنفسه قال أنها أخته، وهي بنفسها قالت أنه أخوها؟ فأنا بريء تمامًا من ذنبها». فقال له الله تعالى: «نعم، أعلم أنك بريء، وعلشان كده منعتك تلمسها. الآن رُدّ المرأة لزوجها، لأنه نبي ، فيدعي لك فلا تموت وتحيا نفسك، ولو مش هتردها تهلك أنت وكل شعبك».

والصّبح بدري استدعَى أَبِيمَالِك جميع حاشيته وحكى لهم عن الحلم فخافوا كلهم وفزعوا. بعدها استدعى أَبيمَالِك النبي إبراهيم وقال له: «يا إبراهيم، ايه الي أنتَ عملته فينا ده؟ وأيه الغلط اللي انا أرتكبته في حقك علشان تجلب عليا وعلى شعبي ذنب زي ده؟ ليه خبيت عليا أن سارة زوجتك يا إبراهيم؟» فقال له النبي إبراهيم: «يا أبيمالك، أنا عملت كده لأني ظنيت أن مفيش حد هنا بيتقي ربنا، فخفت أنهم يقتلوني علشان يأخذوا زوجتي مني. وفي الحقيقة هي بالفعل أختي من أبي لكن مش شقيقتي، وبعدين بقت زوجتي. يا أبيمالك، من يوم ما أمرني ربنا أني أرحل عن بيت أبي، وأحنا عايشين غرباء لحد النهارده. علشان كده قلت لزوجتي: يا سارة، أعملي معايا معروف، وفي كل مكان نروح فيه قولي أن أنا أخوكي وما تقوليش أن انتي زوجتي.»

وبعد ما سمع أبيمالك كلام النبي إبراهيم، رَد له سارة زوجته، وعطاه غنم وبقر وعبيد وجواري. وقال له: «يا إبراهيم، اهي أرضنا قدامك، وأنت حر تسكن في أي مكان فيها. وأنت يا سارة: أنتِ ملكيش ذنب، وأنا عطيت زوجك ألف قطعة من الفضة، تعويض لكِ قدام الجميع عن الضرر اللي أصابك». وكان ربنا ضرب بيت أَبِيمَالِكُ بالعقم لأنه أخد سارة زوجة النبي إبراهيم. لكن لما تشفع له النبي إبراهيم شفاهم ربنا من العقم اللي أصابهم.

21

قصة النبي إسحاق

(وبعد ما رحل النبي إبراهيم من عند أبيمالك في مدينة جرار، سكن في منطقة بئر السبع جنوب ساحل فلسطين.) وهناك وفىَ الله وعده لسارة زي ما سبق وبشر النبي إبراهيم، لما زارته الملائكة قبل سنة. وبالرغم من أن النبي إبراهيم كان شيخ كبير في السن، إلا أن سارة حملت وخلفت له ولد. فَسمىَ النبي إبراهيم ابنه إسحاق «معناه الضاحك». وفي اليوم الثامن ختن النبي إبراهيم ابنه إسحاق زي ما أمره رب العالمين. ولما ربنا رَزق النبي إبراهيم بإسحاق كان عُمْره (100 مئة) سنة. وساعتها سارة قالت : «ضحكت لما بشرني ربي، وكل الي هيسمعوا عني هيضحكوا من الفرحة زيِّ. مين كان يتوقع أنه يكون لإبراهيم ابن؟ لكن اديني خلفت له ولد وهو شيخ كبير في السن.»

 

وعد الله لهاجر

وكبر إسحاق ويوم فطامهِ عمل له النبي إبراهيم إحتفال عظيم. وفي يوم من الأيام شافت سارة إسماعيل أبن هاجر بيلعب مع أبنها إسحاق، فقالت للنبي إبراهيم: «اطرد الجارِية دي وابنها بعيد عني يا إبراهيم، ومش هيكون أبنها وريثك مع أبني». فحزن النبي إبراهيم وصعب عليه إبنه إسماعيل. فقال له الله: «يا إبراهيم، لا تحزن على هاجر وإسماعيل. واسمع لكل اللي تقوله زوجتك، لأن إسحاق هو اللي هيورث أسمك. أما إسماعيل أبن هاجر ، فمن نسله أنا هأجعل أمة عظيمة هو كمان.»

والصبح بَدري عطَى النبي إبراهيم لهاجر خبز وقربة مياه وحطه على كتفها ومشاها مع ابنها، فمشوا في برية بِئْرِ سَبْعٍ من مكان لمكان من غير ما يعرفوا طريقهم. ولما خلصت المَياه من قربتها، قَعَدّت الولد تحت شجرة صغيرة، ومشت مسافة صغيرة بعيد عن مكانه. وقالت: «مش هقدر أتحمل أن أشوف أبني بيموت قدام عيني» وبكت بمرارة على ابنها إسماعيل. وسمع ربنا صوت بكاء الصبي، فنادى ملاك الله هاجر من السماء وقال لها: «يا هاجر، أطمئني ماتخافيش لأن ربنا سمع بكاء الصبي. قومي وأرفعي الصبي، لأني هأجعل أمةٌ عظيمة من نسل أبنك إسماعيل» فهداها ربنا وفتح عيونها وشافت بئر ماء، فمشت للبئر ومَلّت قربتها و شربّت ابنها. وبارك الله في إسماعيل، ولما كبر بقَى خبير في الصيد والرماية. واختارت هاجر لإسماعيل زوجة مصرية، وعاش في برية فاران.

 

النبي إبراهيم وأبيمالك في بئر السبع

وبعد ما أبعَد النبي إبراهيم هاجر وإسماعيل، جه أبيمالك ملك مدينة جرار ومعاه فيكول قائد جيشه وقالوا للنبي إبراهيم: «يا إبراهيم، أنا عارف أن الله مبارك لك في كل أعمالك. وأنا عايزك توعدني قدام الله أنك تكون وفي معايا ومع ذريتي، وتعاملني بالمعروف أنا وشعبي، زي ما عاملناك بالمعروف لما عشت متغرب عندنا.» فقال النبي إبراهيم: «أقسم لك، لكن خليني أقولك أن خدمك أخدوا بئر المياه اللي أنا كنت حفرتها.» فقال أَبِيمَالِكَ للنبي إبراهيم: «يا إبراهيم، حقيقي أنا معرفش مين اللي أخد البئر بتاعك، وأنت ماقولتليش قبل كده، ولا سمعت بالحكاية دي قبل النهارده إلا منك.» بعدها قدم النبي إبراهيم لأبيمالك غنم وبقر وعملوا معاهدة أن البئر اللي حصل عليها نزاع هي مملوكه للنبي إبراهيم. وبعدين فصل النبي إبراهيم سبع نعجات تانيين عن قطيع غنمه. فسأله أبيمالك: «ليه فصلت النعجات دول لوحدهم يا إبراهيم؟» فجاوبه النبي إبراهيم: «أنا عايزك تقبل مني النعجات السبع دول إقرار منك على أن البئر دي ملكي.» فاتسمَى المكان ده بئرَ السبع (أو بئر القسم)، لأَنَّ النبي إِبْرَاهِيمَ عطَى لإبِيمَالِكَ سبع نعجات لما اقسموا وعملوا المعاهدة بينهم.

وبعد ما تمت المعاهدة عند بئر السبع قام أَبِيمَالِكُ وَفِيكُولُ قائد جيشه ورجعوا لمدينة جرار في أرض فلسطين. وغرس النبي إبراهيم عند بئر السبع شجرة وخلاها علامة لمكان مقدس لعبادة الله، واتعبّد النبي إبراهيم هناك للحي القيوم. وبعدها عاش النبي إبراهيم متغرب فترة طويلة في منطقة بئر السبع جنوب ساحل فلسطين.

22

الإبتلاء العظيم: أضحية النبي إبراهيم

وبعْد فترة من إقامة النبي إبراهيم في بئر السبع، شاء ربنا أنه يمتحن إيمان النبي إبراهيم. فناداه الله عز وجل: «يا إبراهيم». فرد النبي إبراهيم: «لبيك ربي». فقال الله للنبي إبراهيم: «خذ أبنك ، حبيب قلبك وروح لجبل مُوريّة، وقدمه لي أضحية على جبل أنا هوريهولك هناك». وفي فجر اليوم التالي قام نبي الله إبراهيم، فأخد الحطب اللي هيحرق عليه الأضحية وجهز حماره، وأخذ معاه أبنه وأتنين من خدمه، ورحل للمكان زي ما أمره ربنا. وبعد تلاتة أيام من السفر، شاف النبي إبراهيم المكان من بعيد. فقال النبي إبراهيم لخدمه: «استنوا هنا، فأنا طالع الجبل مع أبني علشان نتعبد لله، وبعدها راجعين». وحط النبي إبراهيم الحطب على كتف أبنه، ومسك في ايده شعلة النار وفي ايده التانية السكينة، وطلعوا الجبل. ولما كانوا ماشين قال الولد لأبوه: «يا أبي!»، فَقَالَ النبي إبراهيم: «نعم يا ابُنَي». فسأله الولد: «اهي النار والحطب، لكن فين الأضحية؟» فرد عليه النبي إبراهيم: «يا ابني، ربنا شايف وهيدبر الأضحيه». وكملوا في طريقهم طالعين الجبل. ولما وصلوا للمكان اللي وراهوله ربنا، أقام النبي إبراهيم مكان لتقديم الأضحية، وحط عليه الحطب وربط ابنه ووضعه على الحطب. وأخذ النبي إبراهيم السكينة واستعد علشان يذبح ابنه. فناداه ملاك الله: «يا إبراهيم! يا إبراهيم!». فرد النبي إبراهيم: «لبيك». فَقَالَ له ملاك الله: «ابعد ايدك عن ابنك وماتلمسهوش، لأن الله عالم ان في قلبك تقوىَ ورضيت أنك تضحي لله بأبنك حبيب قلبك.» بعدها نظر النبي إبراهيم فشاف كبش متعلق من قرونه على شجرة، فأخذه النبي إبراهيم وقدم أضحية لله بدل أبنه. فسمىَ النبي إبراهيم المكان ده «الله يرَى ويدبر». ولحد النهارده والناس بتقول: «فِي جَبَلِ الرب: الله يرَى ويدبر». وبعدها مرة تانية نادىَ ملاك الله النبي إبراهيم وقال: «يا إبراهيم،لأنك رضيت وكنت مستعد تضحي بأبنك حبيب قلبك، فإن الله بيوعدَك ويقول لك: هبارك فيك وفي ذريتك أجمعين، فيكون عددهم زي نجوم السماء ورمل البحر، وانصرهم على اعدائهم وياخدوا أملاكهم. وأمم الأرض هتطلب البركة زي ما باركت نسلك، لأنك سمعت واطعت يا إبراهيم.» بعدها نزل النبي إبراهيم مع أبنه من الجبل وأخذ خدمه، ورجعوا لمنطقة بئر السبع.

 

نسل ناحور أخو النبي إبراهيم

وبعد مرور فترة من الزمن، سمع النبي إبراهيم أنّ أخوه ناحور خلف ثمان ولاد من زوجته مِلْكَة، كان البكر أسمه عوص، بعدها خلفت بُوز، وقموئيل أبو الأراميين، وبعدين خلفت خمسة ولاد تانين وهم: كاسد وحزو وفِلداش ويدلاف، وأخر أبناء ناحور كان اسمه بتوئيلَ اللي هيخلف رفقة اللي هتبقىَ زوجة النبي إسحاق وأم النبي يعقوب. وكان عند ناحور كمان جاريّة اسمها رُؤومَةَ، اللي خلفت له أربع ولاد تانين، وهم: طابَح وجاحَم وتاحَش ومَعْكَة. (فكان عدد أولاد ناحور أخو النبي إبراهيم اتناشر ولد.)

23

وفاة سارة زوجة النبي إبراهيم

(بعد فترة من تقديم الأضحية ورجوعهم لبئر السبع فِي أَرْض كنعان، انتقل النبي إبراهيم لحبرون الخليل.) وهناك توفت سارة وعمرها ١٢٧ سنة. فحزن عليها جدًا النبي إبراهيم. ولما توفت سارة كان النبي إبراهيم عمره ١٣٧ سنة، وإسماعيل كان عمره ٥١ سنة، أما إسحاق كان عمره ٣٧ سنة. بعدها مشَى النبي إبراهيم من عندها وراح علشان يتكلم مع شيوخ منطقة حبرون الخليل وقال لهم: «يا سادة، زوجتي ماتت وأنا غريب عايش بينكم، وماعنديش أرض أدفن فيها زوجتي، فاسمحوا لي أشتري قطعة أرض من عندكم.» فرد عليه شيوخ المنطقة: «أسمع لنا يا إبراهيم، أنت سيد مكرم بينا، فاختار أفضل مكان علشان تدفن زوجتك في أرضنا، ومش هيمنع عنك مقبرته حد مننا». فقام النبي إبراهيم وانحنى احترامًا لهم، وقال لهم: «أسمعوا يا سادة، لو رضيتمْ، خلوني أدفن زوجتي في أرض عفرون بن صوحر. فتوسطوا لي عنده علشان يقبل يبيع لي كهف المكفيلة اللي في أطراف مزرعته. وأنا أدفع له الثمن بالكامل قدامكم.» وكان عفرون بن صوحر قاعد معاهم عند بوابة المدينة، فقال للنبي إبراهيم: «أسمع يا سيد إبراهيم. أنا باعرض عليك المزرعة والكهف هدية مني قدام ناسي واهلي فخدها وادفن فيها زوجتك.

فقام النبي إبراهيم وانحنى احترامًا لهم، وقال لهم: «اسمح لي يا سيد عِفْرُونَ بن صوحر، فأنا هادفع لك ثمن المزرعة بالكامل، فتقبل عرضي وخليني أدفن فيها زوجتي.» فقال عفرون بن صوحر للنبي إبراهيم: «أسمع يا سيد إبراهيم: المزرعة ثمنها أربع مئة قطعة من الفضة، وده ثمن مالهوش قيمة بينا يا إبراهيم، فخدها وأدفن فيها زوجتك». فوافق النبي إبراهيم على الثمن اللي حدده عفرون بن صوحر. ودفع له أربع مئة قطعة من الفضة قدام شيوخ المنطقة الموجودين.

وبكده اشترى النبي إبراهيم مزرعة عفرون بن صوحر وكل الأشجار اللي فيها بما فيها كهف المكفيلة قدام كل شيوخ المنطقة الموجودين. فدفن النبي إبراهيم زوجته سارة في الكهف في منطقة حبرون الخليل اللي في أرض الكنعانين.

24

زواج النبي إسحاق

لما تقدم العمر بالنبي إبراهيم (وبقى عنده 140 سنة، كان عَدَى على موت سارة ثلاث سنين،) وكانت بركة الله في كل أعمال النبي إبراهيم. وفي يوم من الأيام استدعَى النبي إبراهيم رئيس خدمه، والوكيل على كل أعماله وقال له: «اِحْلِف لي يا رئيس خدمي، وعاهدني قدام رب السماوات والأرض، أنك ما تجوزش أبني لبنت من بنات الكنعانيين اللي احنا عايشين بينهم. لكن تروح لأهلي في منطقة حاران اللي في أرض ما بين النهرين وتجيب لأبني إسحاق زوجة من أهلي القُريبين». فقال له رئيس خدمه: «يا سيدي، طيب واعمل أيه لو البنت رفضت ترجع معايا علشان تسكن هنا في كنعان، فهل ساعتها أخد أبنك إسحاق علشان يتجوزها ويعيش هو هناك في حاران؟» فقال له النبي إبراهيم: «لا، اياك تخلي أبني يخرج من الأرض دي أبدًا، فإلهي رب السموات والأرض اللي خرجني من بيت أبي وأرض أهلي، عاهدني وقال لي أنه وهب الأرض دي ليا ولذريتي. والله رب السموات والأرض هيبعت قدامك ملاك علشان تنجح في مهمتك وتلاقي هناك زوجة لأبني. ولو البنت رفضت تيجي هنا معاك، فأنت بريء من العهد الي عاهدتني عليه، لكن ماتاخدش أبني وترجع بِّه هناك أبدًا». فحلف رئيس الخدم أنه يعمل زي ما أمره النبي إبراهيم.

فجهز الخادم عشرة من جمال مولاه إبراهيم، وحمِّل الجمال بأنواع كتير من الهدايا الثمينة، ورحل على أرض ما بين النهرين، مكان ما ساكن ناحور أخو النبي إبراهيم. وبعد سفر طويل، وصل الخادم مع القافلة بالقرب من مدينة حاران وقت الغروب، فأخذ الجمال عند بئر مياه بره المدينة. وكانت بنات المدينة بتخرج في الوقت ده علشان تملى المياه من البئر. فدعى الخادم لله وقال: «اللهم رب مولاي إبراهيم يسر لي أمري، واحفظ عهدك اليوم مع مولاي إبراهيم ووفقني في أني الاقي زوجة لإبنه إسحاق. وأنا واقف اهُه عند بئر المياه، وأهم بنات المدينة جايين هنا علشان يملوا المياه من البئر. وأنا هاطلب من بنت منهم أنها تسقيني من جرتها، والبنت اللي تقول لي: أشرب، وأنا هاسقي جمالك كمان تكون هي البنت اللي أنت أخترتها انت يا رب علشان تكون زوجة لإسحاق زي ما عاهدت مولاي إبراهيم.»

وقبل ما يتم الخادم دعوته، جات بنت رائعة الجمال عند بئر المياه وكانت شايله جرتها على كتفها، وكانت البنت دي هي رفقة بنت بتوئيل ابن ملكة زوجة ناحور أخو النبي إبراهيم. فجت البنت لبئر المياه وملت جرتها. وقبل ما ترجع البنت، قام خادم النبي إبراهيم وجرَى ناحيتها وقال لها: «يا صبية، ممكن أشرب مِن جرّتك شوية مياه». فبسرعة نزلت البنت جرتها من على كتفِها وقالت له: «اتفضل اشْرَب يا سيدي». وبعد ما شرب قالت له: يا سيدي، أنا هاجيب مياه علشان جمالك تشرب كمان. وبسرعة جرت البنت لحوض الجمال وفرغت فيه المياه اللي في جرتها، وفضلت تجري للبئر تملَى جرتها وترجع للحوض تاني علشان تفضيها، لحد ما شرَّبت الجمال كلها. وفضل خادم النبي إبراهيم ساكت يبص عليها وهي بتشتغل، علشان يعرف إن كانت هي دي البنت اللي ربنا اختارها زوجة لأبن مولاه إبراهيم.

وبعد ما خلصت الجمال شربها، قدم خادم النبي إبراهيم لرفقة حلق ذهب لأنفها وأسورتين ذهب لأيدها. وبعدين قال لها: «بنت مين أَنْتي؟ وهل فيه مكان نبات فيه في بيتكم؟» فقالت له البنت: «أنا بنت بتوئيل ابن ملكة وناحور. وعندنا مكان علشان تباتوا في دارِنا، وعندنا علف كثير لجمالك كمان». فسجد خادم النبي إبراهيم وشكر الله، وقال: «لك الحمد يا إله مولاي إبراهيم، لأنك وفيت برحمتك لسيدي الكريم، وأرشدتني في طريقي لبيت أخو مولاي إبراهيم».

فجرت رِفقة لبيت أُهلها وقالتلهم على كل الي حصللها. وكان عند رفقة أخ اسمه لابان. فلما سمع لابان كلامها وشاف الحلق في أنفها والأسورتين في ايدها، جرى بسرعة علشان يقابل خادم النبي إبراهيم اللي كان واقف مع القافلة عند البئر. فقال له لابان: «اتفضل يا بركة في بيتنا. ليه واقف هنا؟ البيت متجهز لضيافتكم، وكمان جهزنا مكان علشان الجمال اللي معكم». فراح خادم النبي إبراهيم مع لابان للبيت، ونزل خدم لابان الأحمال وقدموا العلف للجمال، وجابوا المياه علشان يغسل خادم النبي إبراهيم والرجالة اللي معاه رجليهم.

وبعدها قدم خدم لابان الطعام، لكن خادم النبي إبراهيم قال: «عفواً يا سيد لابان، قبل ما أكل خلوني أقول لكم انا ليه جيت هنا». فقال له لابان: «اتفضل قول». فقاللهم: أنا خادم مولاي إبراهيم، ربنا أنعم على مولاي إبراهيم وبارك له جدًا فبقَى رجل غني عظيم، ورزقه بغنم وبقر وجمال ودواب وفضّة وذهب وعبيد وجواري مملوكين. وسارة زوجة مولاي إبراهيم خلفت له ولد وهي عجوز من المسنين، وأبوه وهب له كل أملاكه وهو وريث مولاي إبراهيم. وفي يوم استدعاني مولاي إبراهيم وقال لي: «أحلف لي قدام الله رب السماوات والأرض أنك ما تاخدش لأبني زوجة من بنات الكنعانيين اللي بينهم عايشين. لكن تروح لأهلي في منطقة حاران اللي في أرض ما بين النهرين، وتاخذ لأبني إسحاق زوجة من أهلي القريبين.» فقلتُ لمولاي: «يا سيدي، طيب اعمل أيه لو البنت رفضت ترجع معايا علشان تسكن هنا في كنعان؟» فقال لي «الله رب السموات والأرض اللي أمنت به هيرسل قدامك ملاك علشان تنجح في مهمتك وتلاقي هناك زوجة لأبني. وإن رفضت البنت أنها تيجي هنا معاك، فأنت في حِل من العهد ده». ولما وصلنا النهارده هنا عند بئر المياه، دعيت وقلت: «اللهم رب مولاي إبراهيم يسر لي أمري، ووفقني في أني الاقي زوجة لإسحاق أبن مولاي إبراهيم. وأنا اهُه واقف عند بئر المياه، وأهي بنات المدينة جايين هنا علشان تملى المياه من البئر. وأنا هاطلب من بنت منهم أنها تسقيني من جرتها، والبنت اللي تقول لي: أشرب، وهاشرب جمالك كمان تكون هي اللي أخترتها أنت زوجة لإسحاق أبن مولاي إبراهيم.»

وقبل ما اخلص دعوتي، جات بنتكم رفقة عند بئر المياه شايله جرتها على كتفها، ونزلت للبئر وملت جرتها، فقلت لها: «من فضلك اسقيني». فبسرعة نزلت جرتها من على كتفها وقالت لي: «اتفضل ٱشرب يا سيدي، وأنا هسقي جمالك كمان.» فشربت أنا وشرَّبت هي الجمال كلها. فسئلتها: «بنت مين أنتي؟ فقالت لي: «أنا بنت بتوئيل ابن مِلْكة وناحور». فلبستها حلق ذهب في أنفها وأسورتين في أيدها، وسجدت أشكر الله الي هداني في طريقي لبيت أخو مولاي إبراهيم ووصلني لكم. ودلوقتي لو كنتم تقبلوا إسحاق ابن مولاي إبراهيم زوج لبنتكم فبينوا لسيدي وفائكم، وإن لم يكن فعرفوني علشان أروح لمكان تاني علشان أتمم مهمتي». فجاوبه لابان وبتوئيل: «إن كانت دي مشيئة الله، فمنقدرش نقول نعم أو لا! اهْي رفقة قدامك، خذها وأرجع بيها معاك علشان تكون زوجة لِٱبن مولاك، ومشيئة الله هي اللي تكون». فلما سمع خادم النبي إبراهيم ردهم، سجد على الأرض يشكر الله. وبعدين أخد خادم النبي إبراهيم مجوهرات من ذهب وفضة وثياب غالية وقدمها لرفقة، وكمان قدم هدايا وثياب غالية لأخوها وأُمها.

وبعد العشاء بات خادم النبي إبراهيم والرجاله اللي معاه في ضيافتهم. والصبح بدري قال خادم النبي إبراهيم لأهل رفقة: «أسمحوا لي أرجع لمولاي إبراهيم». فقالوا: «خلي البنت تفضل معنا أسبوع ولا عشر أيام، وبعدين تاخدها وترجع بها». فقال خادم النبي إبراهيم: «بلاش تؤخروني، فالله يسر لي أمري فخلوني ارجع لمولاي إبراهيم». فقالوا: «طيب خلينا نسأل رِفْقَةَ عن رأيها». فنادوا رِفْقَةَ وسألوها: «عندك رغبة تروحي معاه دلوقتي؟». فقالت رِفْقَةَ: «أيوه، أروح». فوافقوا. وقبل ما تسافر رفقة ومربيتها ديبورا مع خدم النبي إبراهيم، بارك لها أهلها وقالوا: «يا أختنا رفقة، الله يبارك فيكي وفي ذريتك، ويجعل نسلك كثير، ويُنْصُر نسلك على أعدائِهم.» فقامت رفقة ومعها خادماتها وركبوا الجمال ورحلوا مع خادم النبي إبراهيم.

في الوقت ده كان النبي إسحاق عايش في جنوب صحراء النقب، بعدما رحل من منطقة البئر اللي سمتها هاجر المصرية أم إسماعيل القدير بحالي بصير. وفي الليلة دي خرج النبي إسحاق في البرية يتأمل في الكون. فشاف قافلة جمال جاية في الطريق، فراح ناحيتها. ولما رفقة شافت إسحاق جاي ناحيتهم، نزلت بسرعة من على الجمل وقالت لخادم النبي إبراهيم: «مين الرجل اللي جاي ده علشان يستقبلنا؟» فقال خادم النبي إبراهيم: «ده سيدي إسحاق إبن مولاي إبراهيم.» فغطت رفقة بالحجاب وشها. ولما وصلوا، حكىَ الخادم للنبي إسحاق كل اللي عمله. فتجوز النبي إسحاق أبن النبي إبراهيم رفقة بنت بتوئيل أبن ناحور أخو النبي إبراهيم. ودخل بها في خيمة أمه سارة، وحبها فصبرته وخففت رفقة عنه فراق أمه بعد تلات سنين من موتها.

25

نسل قطورة زوجة النبي إبراهيم

بعد وفاة سارة حصل أن النبي إبراهيم اتجوز امرأة اسمها قطورة (واسمها معناه: بخور). وخلفت قطورة ست أولاد للنبي إبراهيم، وهم مدين وزمران ويشباق ومدان وشوحا ويقشان. ويقشان خلف ولدين: وهم شبا وددان، ومن أولاد ددان خرجت قبائل الأشوريين واللطوشيين واللأميين. وخلف مدين خمس أولاد وهم عيفة وعفر وحنوك وأبيداع وألدعة. دول كلهم هم ذرية قطورة زوجة النبي إبراهيم، اللي سكنوا في المنطقة العربية. وكان النبي إبراهيم وهب لأولاده من هاجر وقطورة هدايا كثير في حياته، وبعدين خلاهم يرحلوا ويسكنوا في المنطقة العربية بعيد عن أبنه إسحاق. وبعد موت النبي إبراهيم ورث النبي إسحاق كل أملاك النبي إبراهيم.

وفاة النبي إبراهيم

(كان النبي إبراهيم عنده 75 سنة لما خرج مع زوجته سارة ولوط إبن أخوه من مدينة حاران في بلاد ما بين النهرين. وبعدها فضل 100 سنة يتنقل من مكان لمكان في بلاد الكنعانيين.) وعاش النبي إبراهيم حياة الصالحين وتوفاه الله شيخ تقي لما كان عمره 175 سنة ولحق بالسلف الصالحين. فدفن إسحاق وإسماعيل أبوهم في كهف المكفيلة اللي كان اشتراه النبي إبراهيم من عفرون بن صوحر علشان يدفن فيه زوجته سارة في حبرون الخليل. وبعد موت النبي إبراهيم بارك ربنا لإسحاق، ورجع علشان يسكن عند البئر الي سمته هاجر بئر «الحي القدير بحالي بصير».

مواليد إسماعيل

ومن نسل إسماعيل أبن النبي إبراهيم وهاجر المصرية اتولد اتناشر ولد، ودي اسماؤهم حسب ترتيب ولادتهم: نبايوت، وقيدر وأدبئيل ومبسام ومسماع ودومة ومسا، وحيدار وتيما ويثور ونافيش وقدامة. وكل أولاد إسماعيل الأثنى عشر أصبحوا رؤساء قبائل، وعاشوا في مناطق اتسمت بأسمائهم في الآراضي العربية. ولما مات إسماعيل كان عمره 137 سنة.

نسل إسحاق

ودي قصة النبي إسحاق لما اتجوز وهو في سن الأربعين من رفقة أخت لابان وبنت بَتوئيل اللي كانوا عايشين في آرام أرض ما بين النهرين. لكن رفقة عاشت عشرين سنة مع النبي إسحاق من غير ما تخلف له أولاد، فدعا النبي إسحَق لله علشان زوجته تحمل، واستجاب الله للنبي إسحاق. وحملت رفقة في توأمين، واتزاحم في بطنها الولدين، فقالت: «يا الله، أنا ليه كل ده بيحصل لي؟» فقال لها الله تعالى: «يا رفقة، في بطنك ولدين، من كل واحد منهما هيخرج شعب، الصغير أقوى من الكبير، والكبير يخضع للصغير».

ولما جات ساعة ولادة رفقة، خرج الولد الأوّل وكل جسمه متغَطي بشعر كثيف لونه أحمر، فسموه عيسو (معنى الأسم: الأحمر). وبعدها خرج الولد التاني وهو متعلق في عرقوب رجل أخوه، فسموه يعقوب (معنى الأسم: المُتعقب). وكان النبي إسحاق عمره 60 سنة لما خلفت له رفقة الولدين.

وكبر الولدين، عيسو بقى صياد ماهر بيميل لحياة البرية، لكن يعقوب كان راعي غنم بيميل للحياة الهادية. وكان النبي إسحاق بيفضل عيسو وبيحب يأكل من الصيد اللي بيصطاده عيسو من البرية، أما رفقة فكانت بتفضل يعقوب.

عيسو يستهون بحق الأبن البكر.

وفي يوم من الأيام، كان يعقوب بيطبخ شوربة عدس، ورجع عيسو من الصيد في البرية وهو جعان. فقال لأخوه: «يا يعقوب، أنا ميت من الجوع فاديني اكُل من الشوربة الحمرا اللي بتعملها». علشان كده كان لقب عيسو «أدوم»، ومعناه الاحمر. فرد عليه يعقوب: «يا عيسو، لو اتنازلت لي عن حق الأبن البكر، هاديلك تاكل». فقاله عيسو: أنا الجوع بيموتني، وحق الأبن البكر دلوقت بأيه ينفعني؟» فقال له يعقوب: «مش هاديلك حاجة إلا بعد ما تحلف لي الأول». فاستهون عيسو بحق الأبن البكر وحلف ليعقوب وتنازل له عن حق البكورية . فعطى يعقوب لأخوه عيسو عيش وشوربة عدس، فَأكل عيسو وشرب وبعدين قام ومشى في طريقه.

26

النبي إسحاق في مدينة جرار

 

لما كان النبي إسحاق ساكن في منطقة بئر السبع في أرض كنعان، حصلت مجاعة زي اللي حصلت في زمن النبي إبراهيم. ولما فكر النبي إسحاق أنه يرحل لأرض مصر، أوحَى الله للنبي إسحاق وقال: «يا إسحاق، لا ترحل لأرض مصر، لكن تسكن في الأرض اللي هأقول لك عليها. خليك في الأرض دي متغرب فترة، وأنا هكون معاك وأبارك فيك وفي نسلك، وأعطيكم كل الأرض دي وأوفي بالعهد اللي عاهدت عليه أبوك إبراهيم. كل الأرض دي أعطيها لكم، واكتر نسلك فيكونوا زي عدد نجوم السماء، وبذريتك تتبارك أمم الأرض كلها. لأن أبوك إبراهيم أطاعني وحفظ وصيتي وأقام حكمي وشرعي». فمرحلش النبي إسحاق لمصر زي ما أمره الله، وسكن فترة طويلة في منطقة جرار اللي على الساحل جنوب ارض كنعان.

وكانت رفقة زوجة النبي إسحاق فاتنة الجمال، فخاف النبي إسحاق أن حد من أهل جرار يقتله علشان ياخذها، فكان بيقول أنها أخته لأي حد يسأله عنها. وبعد ما طالت إقامة النبي إسحاق في جرار، حصل في يوم أن أبيمالك ملك جرار بص من شباك بيته، فشاف النبي إسحاق بيلاطف زوجته رفقة. فاستدعَى أبيمالك النبي إسحاق وقال له: «يا إسحاق، الست دي زوجتك! إيه اللي خلاك تدعي إنها أختك؟» فقال النبي إسحاق: «يا أبيمالك، ظنيت أن حد ممكن يقتلني علشان يأخذها» فقال له أبيمالك: «ايه ده اللي أنت عملته فينا؟ كان ممكن أن أي حد من شعبي ياخدها ويعاشرها، فيكون ذنب عظيم علينا كلنا» وأصدر أبيمالِك أمر لكل الشعب قال فيه: «أي شخص يتعرض بالأذىَ للراجل ده أو لزوجته، يتعدم فورًا».

وبعد فترة زرع النبي إسحاق في أرض جرار فبارك له ربنا، وحصد مئة ضعف في السنة نفسها. فزادت ثروته وأصبح غني جدًا، وعلت بين الناس مكانته. وأصبح يملك قطعان غنم وبقر وكثير من الخدم، لحد ما حقد عليه اهل جرار الكنعانين.

 

فاستدعى أبيمالِك النبي إسحاق وقال له: «ارحل يا إسحاق من أرضنا لأنك بقيت أقوى كثيرًا مننا». فرحل النبي إسحاق من مدينتهم ونزل للوادي وسكن هناك. وكان أهل جرار ردموا بالتراب كل الآبار اللي كان حفرها خدم النبي إبراهيم. فحفر النبي إسحاق الآبار مرة ثانية، وسماها بنفس الأسماء اللي كان مسميها بها النبي إبراهيم.

ولما كان خدم النبي إسحاق بيحفروا في الوادي، لقوا نبع مياه، لكن رُعاة جَرَار الكنعانين اتنازعوا مع خدم النبي إسحاق وقالوا لهم المياه دي من حقنا. فسمىَ النبي إسحاق البئر «بئر النزاع». فحفر خدم النبي إسحاق بئر ثانية فتنازع معاه برضه الكنعانين عليها، فسماها إسحاق «بئر الكراهية». ورحل النبي إسحاق لمنطقة تانيه وحفر خدمه بئر فمحدش نازعه عليها، فسماها «بئر سعة»، لأنه قال: «رب العالمين وسع علينا ونجح عملنا».

بعدها رحل النبي إسحاق من هناك وراح لمنطقة بئر السبع، وفي ليلة وصوله لبئر السبع، اوحي الله للنبي إسحاق وقال له: «يا إسحاق، أطمئن. أنا هو رب أبوك إبراهيم. وأنا معك أباركك وأكثر نسلك وأوفي بعهدي مع أبوك إبراهيم». فبنىَ النبي إسحاق لله هناك مَكان لتقديم الأضحية وسبح بسم الله الحي القيوم، ونصب خيامه هناك وحفر خدم النبي إسحاق بئر مياه جديد.

 

المعاهدة بين النبي إسحاق وأبيمالك

وبعد فترة من إقامة النبي إسحاق في بئر السبع، جاله أبيمالك من جرار ومعاه أحزات مستشاره الخاص وفيكول قائد جيشه. فقال لهم النبي إسحاق: «أيه الي جابكم عندي يا كبراء جرار؟ مش أنتم كرهتوني ومن أرضكم طردتوني؟» فقالوا: «يا إسحاق، احنا نعرف بالحق دلوقت أن الله معاك، وأنت اهو دلوقت متنعم في بركة الله، فجئنا نعمل إتفاق معاك ونعمل معاهدة سلام بينا وبينك. فعاهدنا أنك ماتأذيناش، زي ما كنت أنت عايش معانا ومحدش اذاك فينا. ولما مشيناك من عندنا خرجت بسلام من أرضنا». فوافق النبي إسحاق على الأتفاق، وعمل لهم وليمة فأكلوا وشربوا علشان يحتفلوا بالمعاهدة. وتاني يوم الصبح أقسموا يمين العهد بينهم، ورحلوا بسلام من عنده راجعين في طريقهم.

وفي نفس اليوم جاء خدم النبي إسحاق وقالوا: «يا سيدنا، احنا لقينا مياه»، وبشروه أنهم لقوا مياه في الحتة الي كانوا بيحفروا فيها. فسمَى النبي إسحاق البئر «سبع» ومعناه القسم ومن بعدها اتعرفت بأسم بئر السبع. ولما بلغ عيسو إبن النبي إسحاق سن الأربعين أتجوز زوجتين، وهما بسمة بنت إيلون، ويهوديت بنت بيري من بنات الحثيين، فكانوا الأتنين سبب في تنغيص حياة النبي إسحاق وزوجته رِفقة.

27

بركة النبي إسحاق

في يوم من الأيام، ولما عجز النبي إسحاق وضعف نظره، نادى على عيسو ابنه البكر وقال له: «عيسو يا أبني». فقال له عيسو: «نعم يا أبي». فقال له النبي إسحاق: «يا أبني أنا خلاص عجزت ومش عارف امتَى يتوفاني ربي. فدلوقت جهز للصيد أسلحتك، وخذ سهامك وقوسك، واخرج للبرية علشان تصطاد لي بإيدك، وبعدين جهز لي اكل من اللي بحبه علشان أكل وأدعي لك بالبركة قبل ما يتوفاني ربي».

وسمعت رفقة زوجة النبي إسحاق الكلام اللي دار بين عيسو وأبوه. فلمّا خرج عيسو للصيد في البرية. قالت رفقة لإبنها يعقوب: « يا أبني أنا سمعت أبوك بيكلم أخوك عيسو وقال له: اخرج للبرية علشان تصطاد لي بإيدك، وبعدين جهز لي اكل من اللي بحبه علشان أكل منه وأدعي لك بالبركة قبل ما يتوفاني ربي. فدلوقت يا أبني تسمع كلامي وتعمل زي ما هقولك. روح لقطيع الغنم ونقي جديين، وأنا هاجهز لأبوك الأكل اللي بيحبه. وبعدين أنت تقدم له الأكل بنفسك، فياكل ويدعي لك أنت بالبركة قبل ما ينتهي أجله».

فرد يعقوب على أمه وقال لها: «يا أمي لكن أخويا عيسو مُشعر وأنا أجرد مفيش شعر على جسمي . وممكن أبويا يلمسني ويعرف أني باكذب عليه، وبدل من البركة أجيب لنفسي اللعنة». فقالت له أمه رفقة: «لو كانت لعنة يا ابني تبقى تنزل عليَّ أنا. يلا روح وهات لي الجديين زي ما قولتك فوراً». فراح يعقوب ونقَى جديين وجابهم لأمه، فجهزت رفقة الأكل اللي بيحبه أبوه. وبعدين أخذت رفقة هدوم أبنها البكر عيسو اللي في خيمتها، ولبستها لأبنها الصغير يعقوب، وغطت أيديه ورقبته بفروة من شعر الغنم. وبعدين عطت ليعقوب العيش والأكل اللي جهزته. فدخل يعقوب على أبوه وناداه: «يا أبي»، فرد النبي إسحاق: «نعم يا أبني، أنت مين من ولادي؟» فقال له يعقوب: «أنا عيسو ابنك البكر، وأنا عملت زي ما أمرتني، قوم وأقعد علشان تاكل من صيد ايدي وبعدين تدعي لي بالبركة». فقال له النبي إسحاق: «أزاي لقيت صيد بالسرعة دي يا أبني؟»، فرد عليه يعقوب: «ربنا أكرمني وسهل لي الصيد». فقال له النبي إسحاق: «قرب يا أبني وخليني ألمسك، علشان اتأكد لو كنت أنت أبني عيسو فعلاً». فقرب يعقوب من أبوه، فلمسه النبي إسحاق وبعدين قال: «الصوت صوت يعقوب، لكن الأيدين ايدين عيسو». فمقدرش النبي إسحاق يتعرف عليه، لأن ايديه كانت متغطية بالشعر زي ايدين عيسو أخوه، وأفتكر أنه أبنه البكري واستعد علشان يدعي له بالبركة. وبعدين سأله وقال له: «هو أنت فعلاً عيسو ابني؟». فرد عليه يعقوب: «ايوه أنا هو فعلاً». فقال له النبي إسحاق: «طيب يا ابني قدم لي من صيد ايدك علشان أكل وأدعي لك بالبركة». فقرب له يعقوب الأكل، فأكل النبي إسحاق وشرب. وبعدين قال النبي إسحاق: «قرب مني يا أبني علشان احضنك». فقرَب منه يعقوب وحضنه ، فشم النبي إسحاق ريحة هدوم عيسو اللي كان لابسها يعقوب، فدعا له بالبركة وقال:

«هي دي ريحة أبني،

زي ريحة بستان باركه ربي.

ربي ينزل عليك فيض من ندَى السماء،

ويجعل الخير في طرح أرضك.

ويكفي قوتك بالزيادة من القمح والعنب،

وتكون الناس كلها لك خدم.

وتنحني وتخضع لك كل الأمم.

وتكون سيد على أخواتك،

ويركع أبناء أمك قدامك.

اللي يدعى لك بالبركة ربنا يباركه،

واللي يلعنك يكون من الملعونين!

وأول ما انتهى النبي إسحاق من دعوته، خرج يعقوب من خيمته، وساعتها كان عيسو لسه راجع ومعاه الصيد اللي طلبه ابوه منه. فجهز عيسو الأكل اللي بيحبه أبوه، ودخل على النبي إسحاق وقال له: «يا أبي ، اتفضل قوم علشان تأكل من صيد يدي، وبعدين تدعيلي بالبركة». فسأله النبي إسحاق: «وأنت تكون مين؟». فرد عليه عيسو: «أنا عيسو أبنك البكري». فتفاجأ النبي إسحاق وقال وهو بيرتجف: «امال يبقى مين ده اللي جاب لي الأكل اللي طلبته قبل منك، فأكلت من كل الأكل اللي جابه، ودعيت له بالبركة ، وبالفعل هو نال بركتي!» فلمّا سمع عيسو كلام أبوه صرخ بحسره وقال له: «وأنا يا أبويا! أدعي لي أنا كمان بالبركة». لكن النبي إسحاق رد عليه وقال له: «يا أبني، أخوك عمل حيلة وسرق بركتك». فقال عيسو: «هو مش أسمه يعقوب؟ وهو أسم علىَ مُسمَى فعلاً! احتال عليا وغشني مرتين. المرة الأولى أبتزني في حق بكوريتي، واهو دلوقت سرق مني بركتي كمان. فهل يا أبويا عندك بركة تانية لسه محتفظ بها علشاني؟» فقال له النبي إسحاق: «يا أبني، ده أنا كمان خليته سيد عليك وعلى كل إخواته، وكلم هتكونوا في خدمته، ودعيت له بزيادة المحاصيل ومن كل اللي يحتاجه. فأيه اللي تبقىَ علشان اعمله علشانك؟». فقال عيسو لأبوه: «وهو أنت عندك بركة واحدة فقط يا أبي؟ باركني أنا كمان يا أبويا!». وبكَى عيسو بحسرة. فقال أبوه إسحاق: «سكنك يا ابني هيكون بعيد عن الأرض الخصبة ، ومفيش قطرة ندَى تنزل من السما على أرضك. هتعيش حياتك بسيفك، وتكون عبد لأخوك،

لكن لما تقرر أنك تتحرر، تكسر قيده وتبقَى حر.

 

يعقوب يهرب من أخوه عيسو

فغضب عيسو وحقد على يعقوب لأنه سرق بركة أبوه اللي كانت له هو. ففكر عيسو في نفسه وقال: «بعد أبويا ما يموت، أنا هاقتل يعقوب». ولما عرفت رفقة باللي عايز يعمله ابنها الكبير عيسو، بعتت وجابت أبنها الصغير يعقوب عندها وقالت له: «يا أبني، أخوك عيسو بيخطط علشان يقتلك. فاسمعني كويس وأعمل زي ما هاقول لك، يلا أمشي من هنا دلوقت وروح عند أخويا لابان في حاران، في أرض ما بين النهرين. وخليك عنده فترة، لحد ما يهدأ غضب أخوك من ناحيتك. وينسى اللي عملته معاه، ساعتها هبعتلك علشان ترجع هنا. يلا، ليه أفقد ولادي الأثنين في يوم واحد؟»

وحصل بعدها أن رفقة قالت للنبي إسحاق: «بنات الحثيين اللي اتجوزهم أبنك عيسو خلوا حياتي جحيم، فلو يعقوب هو كمان اتجوز واحدة من بنات الأرض دي الوثنيين، فالموت أحسن لي من حياتي معاهم».

28

يعقوب في حاران

وبعدما سمع النبي إسحاق اللي قالته زوجته رفقة، نادى علَى يعقوب ودعا له بالبركة، وقال له: «يا أبني أياك تتجوز واحدة من بنات كنعان الوثنيين. لكن تروح لبيت جدك بتوئيل في سهل آرام اللي في شمال أرض ما بين النهرين، وتتجوز واحدة من بنات خالك لابان. وأنا هادعي إلهي القدير أنه يبارك فيك، ويجعل من ذريتك أمم كثيرة ويُنميك. ويوهبك أنت ونسلك البركة اللي وهبها لإبراهيم ، وتملك الأرض اللي أنت عايش فيها النهاردة غريب».

وبَعت النبي إسحاق ابنه يعقوب علشان يعيش عند لابان أخو أمه رفقة في سهل آرام في شمال أرض ما بين النهرين. ولما شاف عيسو أن أبوه دعا بالبركة ليعقوب وبعته أرض آرام علشان يتجوز واحدة من بنات خاله لابان، وكمان لما عرف ان ابوه النبي إسحاق منع يعقوب من أنه يتجوز من بنات كنعان، راح عيسو للمكان الي عايش فيه عمه إسماعيل، وتزوج واحدة من بنات عمه إسماعيل وكان أسمها محلة، وهي أخت نبايوت الأبن البكر لعمه إسماعيل.

ولما كان النبي يعقوب في طريقه من بئر السبع علشان يروح آرام في أرض ما بين النهرين، وصل وقت غروب الشمس ، لمكان قريب من مدينه القدس، فقرر أنه يبات الليله هناك، وأخذ حجر وحطه تحت رأسه ونام. ولما غفل شاف في المنام، زي سلم بيوصل بين الأرض و السماء، والملائكة بتنزل عليه وبتطلع للسماء. وشاف يعقوب وحي الحي القيوم واقف قريب منه وقال له: «أنا هو الحي القيوم رب أبائك إسحاق وإبراهيم، الأرض اللي أنت راقد عليها دي أنا وهبتها لك ولذريتك. وهكَثر نسلك زي رمل الأرض، وينتشروا في الشمال والغرب والجنوب والشرق، ومنك ومن ذريتك تكون بركة لأمم الأرض أجمعين. مكان ما تروح أحفظك وأحميك، وهكون موجود معاك، وارجعك هنا لأرض كنعان مرة ثانيه».

فصحى يعقوب من النوم وهو خايف وقال: «ده مكان شريف و له جلالة! أكيد هنا بيت من بيوت الله وباب من أبواب السماء».

وأول ما النهار طلع أخذ يعقوب ٱلحجر ٱللي كان تحت رأسه ونصبه ذكرى في مكانه، ومسحه بالزيت. وسمى يعقوب المكان ده بيت إيل و معناه بيت الله بعد ما كان أسمه الأصلي لوز.

ونذر يعقوب لله وقال في نذره: «لو أن الله حيكون معايا، يحفظني في طريق رحلتي، ويرزقني بطعامي ويكفيني في كسوتي، و إن كان الله حيرجعني بالسلامة تاني لبيت أبويا، فالحي القيوم فعلاً إلهي! وهخلي الحجر الي نصبته هنا ذكرى وعلامة لبيت عبادة الله، والعُشر من كل اللي يرزقني به ربنا هأقدمه زكاة.

29

زواج النبي يعقوب

ومشَى النبي يعقوب من المكان الذي سماه بيت إيل، وكمل رحلته في أتجاه الشرق. ولما قرب من منطقة حاران، شاف من بعيد في الوادي بئر ماء عليها حجر كبير، وحولين البئر كانوا متجمعين الرعاة ومعهم ثلاثة مجموعات من الأغنام، مستنيين بقية الرعاة يجوا علشان يرفعوا الحجر الكبير من علَى البئر ويسقوا الأغنام. وكانت عادة الرعاة أنهم يجمعوا هناك المواشي والأغنام، وبعدين يتعاونوا كلهم مع بعض علشان يدحرجوا الحجر عن على البئر ويسقوا الأغنام. وبعدها يتعاونوا مرة تانية علشان يرجعوا الحجر على البئر بعد ما يخلصوا شرب الأغنام. فقرب منهم النبي يعقوب وسألهم: «أنتم منين يا أخوتي؟» فقالوا: «احنا من حاران». فقال لهم النبي يعقوب: «طيب تعرفو لابان حفيد ناحور اللي كان له أخ اسمه إبراهيم؟» فردوا عليه وقالوا: «أيوه، نعرف لابان». فسألهم النبي يعقوب: «طيب ، هو بخير؟» فقالوا له: «هو بخير، وبنته راحيل اهي جاية ومعها الأغنام». فقال لهم: «طيب ، لسه النهار طويل قدامكم، ولسه ماجاش وقت إجتماع بقية أغناكم، فشربوا أغنامكم دلوقت وأرجعوا بها للمراعي». فقالوا ليعقوب: « لا أحنا لازم نستنَى لحد ما تجتمع بقية رعاتنا، علشان نتعاون كلنا ونرفع الحجر من على البئر كلنا».

ولما كان النبي يعقوب يتكلم مع الرعاة، جات راحيل بنت خاله ومعاها غنم أبوها، فلما شافها النبي يعقوب جاية مع غنم خاله لابان، أتشجع وأستقوى وقام ودحرج ٱلحجر الكبير لوحده وسقَى أغنام خاله لابان. وبعدين عرف راحيل أنه ابن عمّتها رفقة، وسلم عليها وبكىَ من فرحته بها، فجرت راحيل علشان تقول لأبوها لابان. فلما عرف لابان أن ابن أخته يعقوب وصل حاران، جرَى علشان يستقبله وسلم عليه وحضنه وأخذه معاه لبيته. وحكَى النبي يعقوب لخاله عن كل اللي حصله لحد ما وصل حاران. فقال له خاله لابان: «أنت أبن أختي ومن لحمي ودمي». ففضل النبي يعقوب يساعد خاله لابان في تربية الأغنام لمدة شهر من ٱلزمان.

 

زواج النبي يعقوب

وبعد الشهر اللي قضاه النبي يعقوب في مساعدة خاله، قال لابان للنبي يعقوب: «حتى ولو كنا أقارب، فميجوزش أنك تخدمني بالمجان. قوللي أيه هي الأجرة اللي ترضاها؟» وكان عند لابان خال النبي يعقوب بنتين، البنت الكبيرة اسمها لَيئة والصغيرة اسمها راحيل. وكانت عيون ليئة ضعيفة ومطفية، لكن راحيل كانت حلوة وشكلها جميل. وكان يعقوب وقع في حب راحيل وتعلق بها، فقال لخاله لابان: «يا خالي، جوزني بنتك الصغيرة راحيل وأنا أخدمك سبع سنين مقابل مهرها». فقال له خاله لابان: «يبقىَ تفضل عندي، فأنت أولَى بها من الغريب وأنا حجوزك راحيل بنتي». ومرت السبع سنين خدمة عند لابان هينة على النبي يعقوب لأنه تعلق ببنت خاله راحيل وحبها.

وفي يوم من الأيام، قال يعقوب لخاله لابان: «يا خال، السبع سنين خلاص تمت، فجوزني بنتك راحيل». فعمل لابان وليمة كبيرة وعزم كل المعارف والجيران. ولكن بالليل أخذ لابان بنته الكبيرة ليئة ودخلها في الظلمة على يعقوب . وعطى لابان جاريته زلفة علشان تكون في خدمة بنته ليئة. فلما طلع النهار أكتشف النبي يعقوب أن اللي دخل عليها هي ليئة، فراح النبي يعقوب وهو غضبان وقال لخاله لابان: «يا خالي، أيه اللي عملته فيا؟ أحنا مش متفقين أني أخدمك سبع سنين وبعدها تجوزني بنتك الصغيرة راحيل؟ فليه خدعتني ودخلت عليا أختها؟» فقال له لابان: «جواز البنت الصغيرة قبل الكبيرة مش من عادات بلادنا. تمم أسبوع فرحك على ليئة، وبعدها اجوزك راحيل كمان. لكن لازم تخدمني سبع سنين تانيين مقابل مهرها». فوافق يعقوب، وكمل أسبوع فرحه على ليئة. وبعدها عطاه خاله لابان بنته راحيل فتجوزها هي كمان. وعطى لابان جاريته بلْهة لبنته الصغيرة راحيل علشان تكون في خدمتها. فدخل النبي يعقوب على راحيل وحبها أكثر من ليئة أختها، وخدم عند خاله سبع سنين علشان خاطرها.

 

أبناء النبي يعقوب

ورزق الله ليئة بأولاد لما شاف أنها مش محبوبة من جوزها. أما راحيل فكانت عاقر ومابتخلفش أولاد. ولما حملت ليئة وخلفت أبنها البكر سمته رأوبين (والأسم معناه: شوفوا ابني)، لأنّها قالت: «ربنا رحم ذلي، ودلوقت جوزي يحبني». بعدها حملت ليئة مرة تانية وخلفت ولد وسمته شمعون (الأسم معناه: سمعان)، لأنها قالت: «ربنا سمع أني مذمومة، وأرد بالولد أنه يعوضني». وبعدها حملت ليئة وخلفت ولد ثالث وسمته لاوي، لأنها قالت: «أنا دلوقت خلفت له ثلاث أولاد، يمكن جوزي دلوقت يقربني منه ويقبلني». بعدها حملت ليئة وخلفت ولد رابع وسمته يهوذا (الأسم معناه: حمد)، لأنها قالت: «أشكر الله واسبح بحمده».

30

ولما شافت راحِيل أنها مش قادرة تخلف ليعقوب أولاد، غارت من أُختها وقالت ليعقوب: «أنا هاموت يا يعقوب لو مخلفتش أولاد!» فغضب النبي يعقوب من كلام راحيل وقال لها: «الأمر بيد الله. مش أنا اللي منعك من الحمل علشان أوهبك الولد!» فردت عليه راحيل: «خلاص، خذ جاريتي بلهة وادخل عليها، فتولد على ركبتي، والأولاد اللي تخلفهم يكونوا لي أنا». وبكدة قدمت راحيل للنبي يعقوب بلهة جاريتها، فاخذها النبي يعقوب وتزوجها. فحملت بلهة جارية راحيل وخلفت للنبي يعقوب ولد. فسمته راحيل دان (ومعنى الأسم: حكم) لأنها قالت: «سمع ربنا صوتي فرزقني بولد وانصفني». و بعدين حملت بلهة مرة ثانية وخلفت ولد ثاني للنبي يعقوب. فسمته راحيل نفتالي (ومعنى الأسم: مُصارع أو مجاهد) لأنها قالت: «كان بيني وبين أُختي صراع عظيم، لكن أنا غلبتها».

ولما عرفت ليئة زوجة النبي يعقوب أنه أنقطع حملها، خلت النبي يعقوب يدخل على زلفة جاريتها. فحملت زلفة وخلفت للنبي يعقوب ولد. فسمته ليئة جاد (ومعنى الاسم: بخيت أو مسعود) لأنها قالت: «فعلاً محظوظة أنا!» و بعدين حملت زلفة مرة ثانية وخلفت ولد ثاني للنبي يعقوب. فسمته ليئة أشير (ومعنى الاسم: سعد) لأنها قالت: «يا فرحتي، كل الستات هتقول أني مسعودة».

وفي موسم حصاد القمح، لقَى رأوبين عشبة اللفاح وهو بيشتغل في الحقل، فأخذ شوية منها لأمه ليئة. فقالت راحيل لأختها ليئة: «أديني شوية من عشب اللفاح الي جابهولك أبنك». فقالت ليئة لراحيل أختها: « مش كفاية أنك أخذتي جوزي مني؟ ودلوقتي عايزه كمان تاخدي لفاح ابني؟» فقالت لها راحيل: «أخذ لفاح ٱبنك، واخلي يعقوب يبات عندك الليلة بدل مني!». ولما رجع النبي يعقوب من الحقل وقت الغروب، خرجت لَيئة وقابلته وقالت له: «أختي أتفقت معايا أنك تبات الليلة عندي مقابل أني أديها لفاح ٱبني». فقضى يعقوب الليلة عندها. واستجاب الله لدعاء ليئة فحملت وخلفت للنبي يعقوب ولد خامس. فسمته ليئةَ يساكر (ومعنى الأسم: ثواب) لأنها قالت: «دي مكافئتي لأني عطيت جاريتي لزوجي». و بعدين حملت ليئة مرة ثانيه وخلفت ولد سادس للنبي يعقوب. فسمته ليئة زبولون (ومعنى الاسم: وهبة) لأنها قالت: «وهبني الله ستة أولاد هدية غالية، دلوقتي يقبلني زوجي ويُكرمني». وبعدين خلفت ليئةَ بنت وسمتها دينة.

ورحم الله راحيل وأستجاب لها، فحملت وخلفت للنبي يعقوب ولد وقالت: «نزع الله العار عني». وسمت الولد يوسف (ومعنى الاسم: زيادة) لأنها قالت: «يمكن الله يزيدني ولد تاني».

 

وبعد ما خلفت راحيل أبنها يوسف بفترة، قال النبي يعقوب لخاله لابان: «يا خال، أسمح لي ارجع لبلادي. أنت عارف انا ازاي اجتهدت في خدمتك، فاسمح لي أني أخذ زوجاتي وأولادي الي خدمتك علشانهم». لكن لابان قال له: «يا يعقوب ، لو ترضىَ وعايز تُكرمني، خليك عندي. أنا عرفت أن الله بسببك باركني . حدد لي الأجر اللي يرضيك فأدفعه لك وتفضل عندي». فرد عليه النبي يعقوب: «أنت عارف قد أيه كان إخلاصي في خدمتك، وتعرف قد أيه مواشيك زادت وهي في رعايتي، فالقليل اللي كان عندك زاد كثير بعد ما جيت أنا، والبركة اللي حلت عليك كانت من الله بسببي. ودلوقتي أمتى هشتغل علشان أولادي وأسرتي؟» فقال له لابان: «قول لي الي انت عايزه علشان تفضل معايا ؟» فقال النبي يعقوب: «حاجة واحدة لو عملتها أفضل عندك. فلو وافقت أن اَمُر النهاردة بين أغنامك كلها، وأعزل الأغنام المبقعة والمنقطة والسوداء لنفسي، فتكون هي دي أجرتي. أما صافي اللون من الأغنام فهي بتاعتك. ساعتها أفضل في خدمتك وتفضل أغنامك تحت رعايتي. وبكده تقدر تتأكد من أمانتي، فلو شوفت يوم عندي غنم صافي اللون غير المبقعة والمنقطة والسوداء الي خلتها أجرتي، فهي مسروقة وعلىَ عهدَتي». فرد لابان: «زي ما قلت هيكون، أتفقنا». لكن قبل نهاية اليوم، سبق لابان للقطيع وأخذ الأغنام المبقعة والمنقطة والسوداء وعطاها لأولاده. فأخذوا الغنم ومشوا بها بعيد مسافة ثلاثة أيام عن المكان اللي كان بيرعَى فيه يعقوب. ففضل النبي يعقوب يرعَى الأغنام صافية اللون اللي تخص لابان.

فجاءت الفكرة في رؤيا شافها النبي يعقوب، فعرف أنه لو تزاوجت الأغنام قدام أغصان الأشجار المكشوف عن بياض جذعها، تتولد الأغَنام مبقعة كلها. فأخذ أغصان من شجرة اللبنى وشجر الدلب واللوز، وقشرها فكشف عن البياض اللي تحت قشرتها. وكل ما كانت تيجي أغنام قوية للتزاوج عند المياه، كان يعقوب بينصب الأغصان المكشوف بياض جذعها قدامها، فتتولد الأغنام قوية ومبقعة كلها. لكن ماكانش بينصب الأغصان لما تتزاوج الضعيفة من الأغنام. فبقَى القوي من الأغنام يدخل في نصيب يعقوب والضعيف يكون من نصيب لابان. فجمع النبي يعقوب ثروة كبيرة، وبقَى يملك خدم وخادمات كثير، وجمال وحمير وكثير من العبيد والأغنام.

31

رحيل النبي يعقوب من حاران

وعرف النبي يعقوب أللي بيدور بين أولاد لابان وأنهم بيقولوا: «استولىَ يعقوب على مال أبونا، وجمع منه ثروته كلها». وكمان شاف النبي يعقوب أن معاملة لابان معاه أتغيرت ومبقتش زي الأول. فأوحى الله تعالى للنبي يعقوب وقال له: «يا يعقوب أرجع لأرض أبوك وأهلك، وأنا هكون موجود معاك».

وكان النبي يعقوب بيرعىَ الغنم في الحقول، فبعت لراحيل وليئة علشان يجوا لعَنده. ولما جُم قالهم: «اسمعوا، معاملة أبوكم اتغيرت من ناحيتي ومبقتش زي الأول، لكن إله أبائي كان معايا. وأنتم عارفين قد ايه كان إخلاصي لأبوكم في خدمتي، أما هو فغشني وعشر مرات غَيَّر أجرتي. إلا أن ربنا مأرادش أنه يضرني، فلما أبوكم قال لي: الغنم المُبقعة هتكون أجرتك، كانت مشيئة ربنا أن الغنم القوية تيجي مُبقعة كلها. ولما أبوكم قال لي: الغنم المُخططة هتكون أجرتك، كانت مشيئة الله أن الغنم القوية تيجي مُخططة كلها. وبكده أخذها ربنا من أبوكم وخلاني أمتلكها. فلما جه موسم تزاوج الأغنام، شفت في المنام الذكور من الفحول المُبقعة بتنكح الإناث من الأغنام. وفي الرؤيا ناداني ملاك الله: يا يعقوب! فرديت: أنا اهه موجود! فقال لي المَلَك: بص حواليك وشوف الفحول بتنكح الإناث من الأغنام. وأعلم أن الله عالم بألي عمله معاك لابان. وأن الله تعالى بيبلغك ويقول لك: أنا اللي أوحيت لك في قرية بيت إيل، مكان ما مسحت العمود بالزيت وندرت لي ندر هناك. حان الوقت أنك ترحل عن الأرض دي وترجع لأرض مولدك. فردت راحيل وليئة وقالوا: وهو فيه حاجة فضلت لنا من ورث أبونا؟ ده كأننا مش بناته وزي الأغراب بيعاملنا، بعد ما باعنا في جوازنا وأكل كمان مهرنا! دلوقتِ اعمل زي ما أمرك ربنا، فكل الثروة دي حقنا وحق أولادنا، بعد ما ربنا أخذها من أبونا وخلاها في ايدنا.

فقام النبي يعقوب، وجهز الجمال وحَمّل عليها حريمه والأطفال، وساق النبي يعقوب قدامه مواشيه وأغنامه، وكل اللي أتحصل عليه من لابان في بلاد ما بين النهرين، ورحلوا على أرض الكنعانيين مكان ما ساكن أبوه وأهله. في الوقت ده، كان لابان بيقص صوف غنمه في مكان بعيد عن مكان النبي يعقوب بثلاث أيام. فقبل ما يرحلوا استغلت راحيل غياب أبوها وسرقت التماثيل اللي كان بيتبارك بها. وبكده غفل النبي يعقوب خاله لابان وهرب من غير ما يقوله ناحية أرض كنعان. فعبر النبي يعقوب نهر الفرات ومعاه حريمه وأولاده وكل اللي اتحصل عليه، ومشوا ناحية أرض جلعاد الجبلية شرق نهر الأردن.

 

لابان يطارد يعقوب

وبعد ثلاث أيام عرف لابان أن يعقوب رحل وهرب منه. فجمع لابان عزوته وراحوا ورا النبي يعقوب، وبعد سبعة أيام حصلوه عند منطقة جلعاد جنوب دمشق. ونصب لابان وجماعته خيامهم هم كمان بالقرب من مكان ما النبي يعقوب ناصب خيامه. وفي الليلة دي حذر الله لابان في المنام وقال له: يا لابان، أحذر أنك تؤذي يعقوب أو تمسه بسوء! والصبح راح لابان وقال للنبي يعقوب: ايه الي عملته يا يعقوب، ليه غفلتني وسُقت بناتي قدامك زي الجواري؟ أيه الي خلاك تهرب من غير ما تعرفني؟ لو كنت قولتلي أنك ناوي على الترحال، كنت ودعتك بوليمة وإحتفال. وليه يا يعقوب منعتني من أني أودع بناتي وأحفادي؟ دي كانت حماقة منك يا يعقوب. ودلوقتِ أنا قادر أني أؤذيك، لكن إله أبوك حذرني ليلة أمبارح في المنام وقال لي: أحذر أنك توذي يعقوب أو تمسه بسوء! طيب أنا ممكن أفهم أنت رحلت علشان أشتقت لبيت أبوك، لكن أيه اللي خلاك تسرق تماثيل الهتي الي باتبارك بها؟

لكن يعقوب ماكنش يعرف أن راحيل قبل ما ترحل معاه سرقت التماثيل اللي كان بيتبارك بها أبوها. فقال النبي يعقوب للابان: يا خال، أنا خفت أنك تاخد بناتك مني غصب عني، فرحلت من غير ما أقولك. أما تماثيل آلهتك فأنا ماعرفش حاجة عنها، فلو مع أي حد منا لقيتها فالموت له جزاء سرقتها. اَهُم قرايبك بيني وبينك شاهدين، وإن كان لك عندي حق فهو مردود.

ففتش لابان وبدأ بخيمه النبي يعقوب وملقاش حاجة له فيها، وبعدين دخل خيمة لَيئة وخيمة الجاريتَين وفتش وبرضه ملقاش حاجة فيها، بعدها خرج وراح علشان يفتش خيمه راحيل. لكن راحيل كانت حطت التماثيل في الكيسة اللي كانت على ظهر الجمل وقعدت عليها، ولما دخل أبوها قالت له: سامحني يا أبويا إن كنت مش قادرة أقف في حضورك، لإن عادة النساء فاجأتني. ففتش لابان في خيمة راحيل لكنه ملقاش تماثيل آلهته الي كانت مخبياها راحيل وقاعده عليها.

فتملك الغيظ من النبي يعقوب وعاتب خاله لابان وصرخ وقال له: أنا أيه اللي عملته وأيه اللي أذنبته؟ وليه بتطاردني وكأنني في حقك أجرمت؟ اَهُه أنت دورت في كل الي عندي وفتشت، فحط قدام قرايبي وقرايبك الي يخصك وعندي لقيت، وهم يحكموا بيننا في الي به عليَّ ادعيت! طول عشرين سنة خدمتك فيها، مافيش واحده من غنمك سقطت وِّلدها، ولا في يوم حتى أكلت من لحمها. والي كان السبع بياكل منها، ماكنتش بارجع لك بجثتها، وكنت أنا الي بيتحمل خسارتها، والي كان بيتسرق في ليل أو نهار منها، من أيدي كنت بتطلب عوض عنها. قد أيه أتحملت من حر نهار يأكل جلدي، وبرد ليل خلىَ النوم يخاصم عيني. عشرين سنة عندك خدمتها، أربعة عشر سنة منها مهر بناتك، وست سنين مقابل الغنم الي أتفقنا عليها، لكنك خدعتني وغيرت كلامك عشر مرات معايا. ولولا أن إله أبائي إبراهيم وإسحاق كان معايا وبيؤيدني، لكنت بأيدي فاضيه طردتني، لكن الله حفظني فهو عالم بتعبي وقد أيه في خدمتك تعبتني، فأنبك على اللي أنت عملته (وحذرك ليلة أمبارح من أنك تمسني).

فرد عليه خاله لابان: يا يعقوب، اما البنات فبناتي، وأولادهم أولادي، والغنم في الأصل غنمي، وكلّ الي تملكه هو في الأساس ملكي. لكن دلوقتِ أنا هاعمل أيه بيهم، فلا حيلة لي في بناتي ولا في أولاد بناتي؟ فتعالى نعمل عهد يشهد بيني وبينك. وأراد النبي يعقوب أنه ينصب عمود علشان يكون توثيق للعهد بينهم. فأمر النبي يعقوب رجالته أنهم يجمعوا حجارة وفي كومة يرصوها، وقعدوا اكلوا وليمة العهد جنبها. والكومة الي تعاهدوا عندها سموها كومة الشهادة، ومعناهاجلعيد بلغة النبي يعقوب العبرية، ويجر سهدوثا بلغة لابان الآرامية. وبعدها قال لابان: يا يعقوب، من النهارده حتكون الكومة دي شاهد على إتفاقنا. ورب الأرباب رقيب علينا لما نفترق عن بعضنا. عاهدني أنك لا تؤذي ولا تهين بناتي ولا تتجوز عليهم زوجة تانية، حتى لو مفيش حد يعلم بك، فالرب هو الشاهد عليك. والعمود والكومة يكونوا حدود بينا، لا تتجاوزها أنت علشان تؤذيني، ولا أتجاوزها أنا علشان أؤذيك. وإله جدك إبراهيم وإله جدي ناحور شاهد على عهدنا وهو الحَكَم بينا. فتعاهدوا وأقسم له النبي يعقوب بإله أبوه إسحاق. فقام النبي يعقوب وقدم أضحية تقرباً لله، وعمل وليمة إحتفال بالمعاهدة وعزم فيها كل الموجودين، فأكلوا وباتوا ليلتهم في الجبل أمنين. والصبح قام لابان وودع بالقبلات أحفاده، ودعا بالبركة لبناته، ومشى مع عزوته راجع على بيته في آرام في شمال أرض ما بين النهرين.

32

الصلح بين النبي يعقوب وأخوه عيسو

واستمر النبي يعقوب في رحلته للجنوب في طريقه لبيت أبوه، فقابلته ملائكة الله في الطريق. فلما شافهم النبي يعقوب قال: «ده جُند الله بيحميني!» فسمىَ المكان ده محنايم. (ومعناه: الفرقتين).

ولما قرب النبي يعقوب من منطقة آدوم، بعت قدامه رُسل لأخوه عيسو الي كان عايش في منطقة أدوم اللي في جبال سعير شمال مديان. ووصَى رُسله وقال لهم: «لما تقابلوا عيسو أخويا الكبير بلغوه وقولو له: بيقول لك أخوك الصغير يعقوب «يا أخي الكريم، أنا أتغربت عند خالنا لابان وعشت عنده هناك من وقت ما رحلت من عندكم لحد الآن. وأنا دلوقتِّ أمتلك كثير من العبيد والجواري والبهائم والأغنام، وأنا بعت لك رسلي قدامي يمكن ألاقى منك الرضا والإحسان». ولما رجع الرُسل قالوا للنبي يعقوب: «احنا رُحنا لأخوك عيسو زي ما أمرتنا، وهو جاي يقابلك ومعاه ٤٠٠ رجل». فخاف النبي يعقوب وبقىَ في كرب عظيم، فقسم كل الناس الي معاه وكمان البهائم والأنعام لفرقتين. وقال في نفسه: «إن هاجم عيسو فريق منهم وأهلكهم، يفلت من هجمته الباقيين». ودعىَ النبي يعقوب وقال: «أللهم رب أبائي إبراهيم وإسحاق يا حي يا قيوم، يا رب أنت قلت لي: ارجع لأرض أبوك وأهلك، وأنا اُحسِن إليك. يا رب، لا أستحق كرمك والفَضل لك وحدك في إحسانك على عبدك، وأنت أنعمت عليَّ ووفيت وعدك. فلما رحلت من بيت أبويا وعبرت نهر الأردن ماكنتش أملك إلا عصايتي، ودلوقت أنا راجع ومعايا جماعتين. يا رب أنا خايف من أخويا عيسو إليَّ جاي يهجم علينا ويهلكنا، فخلصني ونجيني منه أنا والي معايا، فلا يهلك نفسي ويهلك معايا الأمهات والبنين. يارب وعدك حق وأنت قلت لي: يا يعقوب، أنا هاحسن إليك، وهاكتر نسلك زي رمل البحر من كتره محدش يقدر يعده».

 

وبعد ما خلص النبي يعقوب دعوته وقضى ليلته، قام ونقىَ من البهائم والأنعام الي يملكها هدية علشان يراضي بِها عيسو أخوه. فنقىَ ٢٠٠ معزة و ٢٠ جدي، و ٢٠٠ نعجة ومن الكباش ٢٠ و ٣٠ ناقة ومعها صغارها، و ١٠ ثيران و ٤٠ بقرة و ١٠ حمير ومن انثىَ الحمار ٢٠. وبعدين قسم هديته من البهائم والأنعام لقطعان، وعطىَ كل قطيع لواحد من خدمه وقال لهم: «أتقدموا أنتم وأسبقوني في الطريق، وخلوا بينكم مسافة وأنتم ماشيين». ووصى الأول منهم وقاله: «لو صادفك أخويا عيسو في الطريق وسألك: سيدك مين؟ والبهائم والأغنام دي بتوع مين؟ ورايح بِّهم على فين؟ فتقول له: القطيع ده هدية من أخوك الصغير يعقوب لسيدي عيسو العظيم، وأحنا سبقناه وهو في الطريق جاي ورانا». وزي ما وصىَ أولهم، وصىَ كمان التانيين، واتفكر النبي يعقوب في نفسه وقال: «أراضيه بهديتي يمكن لما نتقابل الاقي منه الرضا والقبول». فمشىَ الخدم بالهدايا وسبقوه في الطريق واتفرقوا زي ما أمرهم. أما النبي يعقوب فقعد الليلة دي مع جماعته في نفس المكان مع فرقة من الفرقتين.

 

وفي الليلة دي، نَقل النبي يعقوب زوجاته وجواريْه وأولاده الحداشر، وعبروا نهر يبوق (وأسمه دلوقت نهر الزرقا في شرق وادي الأردن جنوب بحيرة الجليل). ونقل معاهم كل الي فضل من ممتلكاته للضفة التانية من الوادي. وفَضَل النبي يعقوب بعدها لوحده، فظهر له ملاك في هيئة رجل، فصارعه النبي يعقوب لحد ما طلع الفجر فلما شاف الشخص ده جهد يعقوب في مصارعته، ضرب مفصل فخذ النبي يعقوب فانخلع وهو بيصارعه. بعدها قال الشخص ده للنبي يعقوب: «الفجر طلع، سيبني امشي». فاتَمسك به النبي يعقوب وقاله: «مش هاسيبك تمشي إلا لما تدعي لي بالبركة». فسأل الملاك النبي يعقوب: «أيه أسمك؟» فَجاوبه: «أسمي يعقوب». فقال له: «اسمك من دلوقت مش هيكون يعقوب، من دلوقت أسمك هيبقى إسرائيل، لأنك صبرت وإجتهدت مع الله والبشر ونجحت». فقال له النبي يعقوب: «من فضلك قولي ايه ٱسمك؟» فجاوبه: «وليه بتسأل عن أسمي!» وبعد ما باركه، مشىَ وسابُه.

وسمىَ النبي يعقوب المكان ده «فنيئيل» (الي معناه: وجه الله)، لأنه قال في نفسه: «أنا شفت القدرة الإلهية في وجه الملاك ونجيت من الهلاك». وطلعت الشمس وهو ماشي من منطقة «فنيئيل»، وكان بيعرج وهو ماشي بسبب الإصابه اللي في فخذه. وعلشان كده بني إسرائيل مش بياكلوا عصب الفخذ من اللحوم، تذكار للواقعة الي حصلت للنبي يعقوب.

33

لقاء النبي يعقوب مع أخوه عيسو

وبعدين بَص النبي يعقوب فشاف أخوه عيسو ومعاه ٤٠٠ رجل من بعيد عليه جايين. فقسم أهل بيته وخلى كل أم من زوجاتهِ ليئة وراحيل مع أولادها، وكمان عمل نفس الشيء مع أولاد الجاريتين. وبعدين فرق بينهم وخلىَ الجاريتين وأولادهم في الأول، ومن بعدهم خلىَ ليئة وأولادها، وبعدين خلىَ راحيل ويوسف أخر ناس ماشين. أما النبي يعقوب فتقدم ومشى قدامهم ناحية أخوه عيسو، ولحد ما قرب منه كان انحنىَ قدامه سبع مرات بإحترام. فجرَى عيسو وحضن النبي يعقوب وقبله، وبكوا هم الأثنين. ولما شاف عيسو النساء والأولاد جايين، سأل النبي يعقوب: «مَن دول الي وراك جاين؟» فرد عليه النبي يعقوب: «دول أولادي الي انعم عليَّ بهم رب العالمين». فقربت الجاريتين وأولادهم وانحنوا بإحترام قدام عيسو. ومن بعدهم قربت ليئة وأولادها وانحنوا بإحترام قدام عيسو، ومن بعدهم قربت راحيل ويوسف وانحنوا بإحترام قدام عيسو زي ما عمل الباقيين.

فسأل عيسو النبي يعقوب: «أيه الي قصدته يا يعقوب بقطعان البهائم والأنعام الي قابلتها واحنا في الطريق جايين؟» فجاوبه النبي يعقوب: «قصدت أن هديتي تسبقني يمكن أنول رضاك». فقال له عيسو: «أحتفظ أنت باللي عندك، فإن عندي منها دلوقت كثير». فقاله النبي يعقوب: «لا يا أخي، إن كنت رضيت عني، فتفضل واقبل هديتي. فالرضا الي شفته على وجهك وكأني شفت الرضا من رب العالمين. اتكرَم وباركني واقبل هديتي. فربنا أكرمني بالكثير ومن كل النعم رزقني». فقبلها عيسو منه بعد ما شدد النبي يعقوب والح عليه.

وبعدين قال عيسو للنبي يعقوب: «طيب خلينا نرحل من هنا وأنا هاكون قدامك واحنا في الطريق ماشيين». فقال النبي يعقوب لعيسو: «يا أخي، زي ما أنت شايف أولادي لسه ضعاف وصُغيرين، والمواشي مُرضعة أصابها الإعياء ويمكن تهلك لو زدت عليها يوم تاني من العناء. فتفضل أنت يا أخي الكريم واسبقني، وأنا من وراك أسوق ماشيتي وامشي بأهل بيتي في الطريق على مهلنا، لحد ما اوصل بهم جبل سعير وهناك نتقابل.» فقال عيسو للنبي يعقوب: «طيب بس خليني اسيب معاك رجالي يكونوا في صُحبتك.» فقاله النبي يعقوب: «وليه كل ده؟ يكفيني الرضا الي لقيته في مودتك.» فمشىَ عيسو في طريقه في نفس اليوم راجع على سعير أما النبي يعقوب فقلبه ماكانش مُطمئن، وبدل ما يمشي ورا عيسو رحل للغرب ناحية نهر الأردن، ونصب للمواشي بتاعته مظلات وبنى لنفسه ولأهله بيت. وعلشان كده المكان ده بقىَ اسمه سكوت (ومعناه الْمظلات).

ومن هناك رحل لحد ما كمل رحلته من بلاد آرام ما بين النهرين ووصل بسلام لأرض الكنعانين، ونصب خيامه عند أطراف مدينة شكيم (الي اسمها الأن مدينة نابلس). وبعدين أشترى من اولاد حَمُور أبو شكيم قطعة أرض نصب عليها خيامه بمئة قطعة من الفضة. وبنى هناك مكان لتقديم القرابين لله، وسماه مكان عبادة الإله رب يعقوب.

34

دينة بنت النبي يعقوب

وفي يوم خرجت دينة بنت النبي يعقوب من زوجته ليئة علشان تزور بنات من جيرانها في المنطقة. فشافها شكيم بن حمور، ابن كبير المنطقة الي سكنوها، فاخدها غصب عنها، لكنه حبها فخلاها عنده. وبعدين راح شكيم لأبوه وقال له: «اخطب لي البنت دي أنا عايز أتجوزها». ولما عرف النبي يعقوب أن شكيم اعتدَى علَى بنته دينة. استنى لحد ما يرجع ولاده الي كانوا وقتها في الحقول بيرعو الغنم.

وراح حَمور وأبنه شكيم للنبي يعقوب علشان يخطبوا بنته دينة. ولما رجع ولاد النبي يعقوب من المرعىَ وعرفوا اللي حصل مع أختهم، ثاروا وتملكهم الغضب لأن شكيم ارتكب كبيرة من الكبائر في حق اهل بيت النبي يعقوب لما اعتدى على أختهم. فقالهم حمور: «ابني شكيم لما شاف بنتكم حبها واتعلق بها، وأنا باطلبها منكم علشان أبني يتجوزها. ويبقىَ فيه نسب بينا، نتجوز من بناتكم وتتجوزوا من بناتنا. واسكنوا بينا. والأرض اهه قدامكم واسعة ، فتملكو منها وتاجروا فيها زي ما أنتم عايزين». بعدها اتكلم شكيم وقال لهم: «ياريت ترضوا تجوزوهالي، وكل اللي تطلبوه مني أعمله علشان خاطرها. اطلبوا هدايا ومهر زي ما أنتم عايزين، لكن جوزوني بنتكم». فَرد ولاد النبي يعقوب عليهم بمكر، لأن شكيم اعتدىَ على دينة أختهم. وقالوا لشكيم: «لكن أنت رجل مش مختون وده عار كبير عَندنا، ومانقدرش نجوز اختنا لواحد مش مختون زينا. على شرط أنكم تختنوا ذكوركم زينا. ساعتها ممكن نقبَل طلبكم وتتجوز اختنا. وساعتها يبقى فيه نسب بينا، تتجوزوا من بناتنا ونتجوز من بناتكم، ونبقىَ شعب واحد ونسكن كمان بينكم. ولو رفضتم تعملوا زي ما قلنا لكم، نأخذ بنتنا ونرحل من أرضكم». فرضَى حَمور وابنه شكيم بكلامهم. وكان شكيم أكرم جميع بيت أبوه، وكان قلبه متعلق بدينة بنتهم فوافق على تنفيذ طلبهم.

فراح حمور وٱبنه شكيم عند باب المدينة مكان ما بيكون قادة المدينة متجمعين، وعرضوا عليهم الموضوع وقالوا: «يعقوب وجماعته ناس طيبيين ومُسالمين، يكون أحسن لو سكنوا بينا، وأرضنا اهه واسعة يتاجروا فيها. هنتجوز من بناتهم، وهم يتجوزوا من بناتنا. لكنهم مش هيناسبونا ولا يسكنوا معانا إلا على شرط أننا نختن زيهم كل ذكورنا. لو عملنا كده، بمرور الزمن تتنقل لنا كمان أملاكهم، فعلشان يسكنوا بينا ، احسن لنا لو نوافق علَى شروطهم .» فاستجاب لكلام حمور وشكيم كل الي كانوا عند باب المدينة مجتمعين، واختتن كل الذكور اللي كانوا في المدينة ساكنين.

وبعد ثلاث أيام، لما كان رجال المدينة وكل ذكورها متوجعين من ألم الختان ، أخذ ولاد النبي يعقوب شمعون ولاوي اشقاء دينة سيوفهم، وهجموا على المدينة واهلها غافلين وقتلوا كل الرجالة الي فيها، وقتلوا كمان حَمور وابنه شكيم بحد السيف، واخذوا دينة من بيت شكيم وراحوا خارجين. ولما عرف بقية ولاد النبي يعقوب أن شمعون ولاوي راحوا علشان ينتقموا لأختهم، انتهزوا الفرصة وراحوا ونهبوا المدينة والحقول، وآسروا نسائهم وأطفالهم، واستولوا على كل شيء حتى على مواشيهم وأغنامهم.

ولما عرف النبي يعقوب اللي عمله شمعون ولاوي قالهم: «جلبتم عليَّ البؤس والشقاء واسأتم لسمعتي عند أهل البلاد من ٱلكنعانيين وٱلفرزيين بفعلكم المُشِين، احنا جماعة صغيرة ولو اجتمعوا علينا يقتلوني ويهلكوا أهل بيتي اجمعين». فقال شمعون ولاوي: «وأنت ترضا لنا أنهم يعتدوا على أختنا ومانكونش غضبانين؟».

35

النبي يعقوب يعود إلى أرض كنعان

بعدها أوحىَ الله للنبي يعقوب: «قوم وارحل على بيت إيل واسكن هناك. في نفس المكان الي أوحيت لك فيه لما كنتَ هربان من عيسو أخوك، وإكرامًا لإسمي تبني لي هناك مكان لتقديم الآضاحي.» فجمع النبي يعقوب أهل بيته وكل جماعته وقال لهم: «أبعدوا عنكم أي أوثان تكون عندكم، واجمعوها علشان نتخلص منها، وطهروا نفسكم وغيروا ملابسكم. وقوموا علشان نرحل من هنا ونروح على بيت إيل، وهناك أنا هبني مكان مخصص لله اللي مكان ما رحت كان في رفقتي، واستجاب برحمته لدعوتي وقت محنتي». فحطوا قدام النبي يعقوب كل الأوثان الي كانت عندهم وحلقان الأوثان الي كانت في ودانهم. فأخذهم النبي يعقوب وتحت شجرة بلوط ناحية شكيم دفنهم. وبعدين بدأ النبي يعقوب وجماعته رحلتهم. ونزّل ربنا الخوف في قلوب الساكنين في المدن الي كانت حوليهم، فلا طاردوهم ولا سعوا وراهم.

ووصل النبي يعقوب وجماعته لبلدة لوز الي كان سماها النبي يعقوب بيت إيل، لما كان هربان من أخوة عيسو وتجلي له وحي الله هناك في أرض الكنعانيين. وبنى النبي يعقوب مكان يقدم لله عليه الآضاحي. وهناك اتوفت دبورة مرضعة رفقة أم النبي يعقوب، فدفنوها تحت شجرة بلوط بالقرب من بيت إيل، وسموها بلوطة الأنين. ولما كان النبي يعقوب في طريقة راجع من أرض ما بين النهرين، أوحي له الله تعالى، زي ما سبق واوحى له في محنايم لما كان هربان من عيسو أخوه، وباركه وقال له: «أسمك مش هيكون يعقوب، لكن أسمك هيكون إِسرائيل. أنا هو الله القدير والأرض الي وهبتها لأبوك إسحاق وجدك إبراهيم، اوهبها لك ونسلك يورثها من بعدك. وأكثر نسلك زي رمل البحر، ومن نسلك تخرج أمم كثير وملوك.» بعدها عرج الوحي للسماء. فنصب النبي يعقوب حجر، وصب الزيت عليه ومسحه، وسمى المكان ده بيت إيل وخلاه مكان مخصص لعبادة الله.

وفاة راحيل زوجة النبي يعقوب

وخرج النبي يعقوب مع جماعته من بيت إيل في إتجاه قرية بيت لحم في منطقة أفراتة، ولما كانوا في الطريق جت ساعة ولادة راحيل زوجة النبي يعقوب المحببة واتعسرت ولادتها. ولما أشتدت عليها ألام ولادتها، بشرتها المُوَلّدَه وقالت لها: «ما تخافيش، ربنا رزقك بولد تاني.» لكن راحيل متحملتش وقبل ما تموت سمت الطفل بن أُوني (الي معناه: ابن تعاستي)، لكن النبي يعقوب سماه بن يمين (الي معناه: ابن يميني). واتوفت راحيل بعد ما ولدت ثاني أولادها، ودفنوها في منطقة أفراتة القريبة من بيت لحم. فنصب النبي يعقوب عمود فوق قبرها، وهو المعروف لحد النهارده بأسم عمود قبر راحيل، علشان يكون تذكار لها. بعدها أستمر النبي يعقوب في رحلته، وبعد ما عدىَ منطقة برج عدر نصب خيامه. ولما كان النبي يعقوب وأهله لسه في المنطقة موجودين، حصل أن رأوبين بكر النبي يعقوب من زوجته ليئة راح وفعل الفاحشة مع بلهة مملوكة أبوه. فعرف النبي يعقوب باللي عمله رأوبين. فغضب النبي يعقوب عليه، وبعدها حرم رأوبين من حق البكورية.

وكان للنبي يعقوب اثناشر ابن، وهم المعروفين بأسباط بني إسرائيل، وهم: أولاد النبي يعقوب من ليئة بنت خاله لابان: رأوبين بكر يعقوب، وشمعون ولاوي ويهوذا ويساكر وزبولون. وابنين من راحيل أخت ليئة الصغيرة وهم: يوسف وبنيامين. وابنين من بلهة، خادمة راحيل، وهم دان ونفتالي. وابنين من زلفة، خادمة ليئة، وهم جاد وأشير. كل دول ولاد النبي يعقوب الي رزقه بهم ربنا في بلاد أرض ما بين النهرين.

وتم النبي يعقوب رحلته لما رجع لأبوه إسحاق في ممرا، في حبرون الخليل، مطرح ما كان أباؤه إبراهيم وإسحاق متغربين. ولما اتوفىَ النبي إسحاق كان بلغ من العمر مئة وثمانين سنة. وبحُسن الخاتمة لحق النبي إسحاق بسلفه الصالحين. ودفنه اولاده عيسو ويعقوب.

36

أولاد عيسو بن النبي إسحاق

ده سجلّ ذرية عيسو بن النبي إسحاق، والمعروف باسم أدوم. اتجوز عيسو أبن النبي إسحاق ٢ من بنات كنعان: واحدة أسمها عدة بنت أيلون الحِثي، وخلفت له عدة ولد سمّته أليفاز، ومنه خرج سبعة رؤساء قبائل. بعدها اتجوز أَهوليبامَة بنت عَنة وحفيدة صبعون الحوي. وخلفت له أَهوليبامَة يَعوش ويَعلام وقورَح وهم رؤساء قبائلهم. وبعدها اتجوز عيسو عليهم بَسمَة أخت نَبايوت بنت عمه إسماعيل. وخلفت له بسمة ولد سمّته رَعوئيل ومن نسله خرج أربع رؤساء قبائل. ودول كانوا أبناء عيسو اللي اتولدو في أرض كنعان.

بعدها أخذ عيسو زوجاته وأولاده وبناته وجميع أهل بيته وأغنامه، وكلّ املاكه في أرض كنعان، ورحل لمنطقة تانية بعيد عن أخوه يعقوب. لأنّ الأرض الّي كانو عايشين فيها ضاقت عليهم من كثرة مواشيهم وأغنامهم. فعاش عيسو في منطقة سَعير الجبلية جنوب شرق البحر الميت الّي اتسمّت بعد كده أدوم. في البداية عاش نسل عيسو أبن النبي إسحاق رؤساء على قبائلهم، وبعدها بقو ملوك حكموا فِي أرْض أدوم قبل ما يبقى فيه ملوك على بني إسرائيل، ودي أسمائهم: بالع بن بعور، ويوباب بن زارح، وحوشام، وهداد بن بداد الّلي هزم مديان في بلاد موآب جنوب أرض عُمان، وسملة، وشاول، وبعل حانان بن عكبور، واخرهم كان اسمه هدار.

37

حلم يوسف

قصّة أولاد النبي يعقوب عليه السلام. عاش نبي الله يعقوب في أرض كنعان، في نفس الأرض الي كان أبوه متغرب فيها. وكان يوسف شاب عنده ١٧ سنة، بيساعد أبوه في رعي الغنم مع أخواته، أولاد بلهة وزلفة زوجات أَبوه التانين. وكان يوسف دائمًا بيحكي لأبوه عن أفعال أخواته السيئة. وكان يوسف أحب لأبوه يعقوب من أخواته التانيين، لأن ربنا رزق النبي يعقوب بيوسف وهو كبير في السن، فعمل النبي يعقوب ليوسف قميص ملون جميل. ولما شاف أخوات يوسف أن أَبوهم بيحب يوسف أكثر منهم، كرهوه أكثر وعاملوه بقسوة وقالوا: أبونا بيحب يوسف وأخوه أكثر مننا، أبونا ده في ضلال مبين. وفي يوم شاف يوسف حلم لما حكاه لأخواته زاد غيظهم منه أكتر. لما قال يوسف لأخواته: «أسمعوا الحلم الي شفته. أنا شفت في المنام وكأننا بنربط حزم في الحقل وقت الحصاد، وشفت حزمتي فجأة وقفت، فَجت حزمكم من حواليها وسجدتْ كلها لحزمتي». فزاد حقدهم علىَ يوسف بسبب كلامه والحلم الي شافه وقالوا: «تظن أنك ممكن تملك علينا أو نكون لك في يوم خاضعين؟» وبعدين شاف يوسف حلْم تاني حكاه لإِخْوَاته، وقَالَ لهم: «أسمعوا أنا شفت حلم تاني، أنا شفت ١١ كوكب في السماء والشمس والقمر شفتهم ليا ساجدين». وَلما حكى لأبوه الرؤيا، عاتبه النبي يعقوب وقال: «يا أبني أيه الرؤيا دي الَّلي أنت شفتها؟ بالحق أنا وأمك وأخواتك حنسجد قدامك؟» واشتعلت غيرة أخواته منه، أما النبي يعقوب فخبَى كلام يوسف في قلبه.

التآمر على حياة يوسف

وفي يوم من الأيام راح إخوات يوسف علشان يرعوا أغنام أبوهم قُرب مدينة شكيم في أرض كنعان مدينة نابلس الآن. فقال النبي يعقوب ليوسف: «أخواتك راحوا يرعو غنمي قُرب شكيم، تعالى علشان أبعتك تطمن عليهم». فقال يوسف لأبوه: «حاضر يا أبي، زي ما تأمر». فقال له النبي يعقوب: «روح اطمئن علَى إخوتك وعلى الأغنام، وارجعلي بأخبارهم». فمشى يوسف في طريقه من وادي حبرون وراح ناحية شكيم. وقرب شكيم فضل يدور علىَ أخواته، فقابله راجل وسأله: «أنت بتدور على مين؟» فرد عليه يوسف: «أنا بادور على إِخواتي. تعرف مكانهم فين؟» فجاوبه الرجل: «هم رحلوا من هنا، وأنا سمعتهم بيقولو أنهم رايحين ناحية قرية دوثان». فمشى يوسف وراهم لحد ما لقاهم في دوثان شمال مدينة شكيم. ولما شافوه جاي من بعيد عليهم، اتفقوا عليه علشان يقتلوه. وَقَالوا لبعضهم: «اهو وصل صاحب الأحلام المكين. تعالوا نقتله ونرميه في بئر جاف، ونقول أن ذئب أكله وإحنا غايبين، ونشوف هتتحقق أزاي أحلامه.» ولما سمع كلامهم أخوهم البكر رأوبين، كان عايز ينقذ يوسف من ايدين أخواته التانين، ويشوف ازاي يقدر يخلصه ويرجعه لأبوه بسلام. فقال: «ما تقتلوش يوسف ولا تسفكوا دمه، لكن ارموه في البئر يمكن حد يلاقيه وياخده بعيد لو كنتم ناويين». فلما وصل يوسف عند أخواته، قلعوه قميص الملون. وأخذوا يوسف ورموه في بئر جاف.

يوسف يباع لتجار الإِسماعيليين

وبعدين قعدوا ياكلوا، ومكانش معهم رأوبين. فشافوا قافلة بتقرب، فيها تجار من العرب الإِسماعيليين، وجمالهم بالتوابل والصمغ متحملين، وهُم في طريقِهم من جلعاد أو أرض الأردن على مصر رايحين. فقال يهوذا لإخوته: «أيه الفائدة لو أحنا سفكنا دم أخونا وبقينا قاتلين؟ هو برضه أخونا من لحمنا ودمنا، فتعالوا نبيعه للتجار الإِسماعيليين بدل ما تقتلوه.» فوافق على رأيه أخواته التانين. ولما قربت منهم قافلة التجار الإِسماعيليين، سحبوا يوسف من البئر وباعوه بعشرين قطعة فضة، فأخده التجار الإسماعيلين معاهم ومشوا في طريقهم على مصر رايحين. ولما رجع رأوبين علشان يخلص يوسف من البئر، لقاه مش موجود، فقطع هدومه وهو مكروب حزين. ورجع لأخواته وقالهم: «الولد مش موجود في البئر، هأعمل أيه أنا دلوقت مع أبويا ولا اروح على فين؟» فأخدوا قميص يوسف الملون، وذبحوا جدي وغمسوا القميص في الدم. وأخذوا القميص المغموس في الدم لأبوهم وقالوا: «يا آبانا، لقينا القميص ده. فشوف واتأكد لو ده قميص أبنك؟» فتحقق النبي يعقوب وقال: «ده قميص أبني! يا ويلي، الذئب افترس أبني يوسف المسكين». فَشق النبي يعقوب هدومه، ولبس ثوب خشن قديم وفضل يبكي على ابنه زمن طويل لحد ما ابيضت عينيه من الحزن. ولما قام جميع ولاده علشان يعزوه رفض يقبل العزاء منهم، وقال لهم: «أنا حافضل لحد ما أموت على ابني حزين». وفضل يبكي بحسرة على يوسف. ولما وصل لمصر التجار الإِسماعيليين باعوا يوسف لفوطيفار، رئيس حرس فرعون مصر.

38

يهوذا يتزوج ابنت شوع

وبعد ما تخلص إخوات يوسف منه وباعوه للتجار الإسماعيليين، اللي باعوه لفوطيفار رئيس حرس فرعون مصر. حصل بعدها أن يهوذا أبن النبي يعقوب فارق أخواته ورحل علشان يعيش عند واحد صاحبه كنعاني أسمه حيرة اللي كان بيعيش في قرية عدلام القريبة من حبرون. وهناك شاف يهوذا بنت رجل من الكنعانيين أسمه شوع، فاتجوزها وعاش معاها. فحملت زوجة يهوذا وخلفت له ولد سماه عيرا. وبعدها حملت مرة تانية وخلفت له ولد فسماه أُونان. وبعدها حَمَلت مرة تالتة وولدت في قرية كزيب ولد وسمته شيلة. ولما كبر عيرا أبن يهوذا البكر جوزه بنت أسمها ثامار. لكن عيرا بكر يهوذا كان بيعمل الشر قدام ربنا، فقضَى الله بموته. فقال يهوذا لأونان أبنه الثاني: «ادخل على زوجة أخوك بحسب عاداتنا واتجوزها علشان يكون لأخوك نسل منها». وعرف أونان أن النسل مش هيتنسب إليه، فكان بيمنع نفسه عنها، علشان نسله مايبقاش لأخوه. فساءت فعلة أونان قدام ربنا فقضى بموته هو كمان. فقال يهوذا لثامار أرملة ولاده: «أفضلي أرملةٌ في بيت أَبـوكي لحد ما يكبر شيلة ابني واخليه يتجوزك». وكان يهوذا وصاها بالوصية دي لأنه خاف أن ابنه الصغير يموت هو كمان زي ما مات أخوته قبل منه. فمشت ثامار وقعدت تستنى في بيت أَبوها.

يهوذا وثامار

ومرت الأيام وماتت بنت شوع زوجة يهوذا. وبعد العزا والحداد راح يهوذا على قرية تمنة علشان يتابع العمال وهم بيجزوا صوف غنمه، وكان معاه حيرة صاحبه العدلامي. فقالوا لثامار أن حماها جاي في الطريق لتمنة علشان يجز صوف غنمه. فخلعت هدوم حدادها، وغطت وشها بالحجاب وقعدت عند مدخل قرية عينايم اللي على طريق تمنة، لأنها عرفت أن يهوذا خائف على أبنه ومش هيخليه يتجوزها. فلما عدىَ عليها يهوذا في الطريق وشافها مغطية وشها، ظن أنها من عاهرات معابد الكنعانيين. فمعرفهاش ومال لجانب الطريق ناحيتها وقال لها: «تعالي اعاشرك»، فقالت له: «تديني أيه علشان تعاشرني؟» وما كشفتش وشها. فيهوذا قالها: «حبعت لك جدي من غنمي». فقالت: «حتديني أيه رهن لحد ما تبعث الحاجات الي وعدت بيها؟» فسأَلها: «رهن أيه اللي تطلبيه؟» فجاوبته: «خاتمك وعمتك وعصايتك». فعطها كل الي طلبته، فحملت منه بعد ما دخل بها وعاشرها. فقامت ورجعت لبيتها وخلعت الحجاب من على وشها ورجعت لبست هدوم حدادها. ولما بعت يهوذا الجدي مع صاحبه حيرة العدلامي علشان يرَّجع الرهن ملقاش أثر لها. فسأل أهل المكان عنها: «فين العاهرة الي كانت قاعده على الطريق في عينايم ؟» فقالوا: «مفيش عاهرة كانت قاعده في المكان هنا». فرجع حيرة ليهوذا وقال له: «أنا دورت ومالقتهاش، أهل القرية قالوا: مفيش عاهرة كانت قاعده هنا». فرد عليه يهوذا: «خلاص طيب، خليها تحتفظ هي بالحاجات الي عندها، فأنا مش عايز الناس تضحك عليا. وأنا بعت معاك الجدي زي ما اتفقت معاها لكن أنت دورت ومفيش أثر لها».

مولد فارص وزارح

وبعد مرور ثلاث شهور قالوا ليهوذا: «ألحق، ثامار زوجة ولادك زنت وحبلت من زناها». فقال لهم يهوذا: «هاتوها وأحرقوها». ولما خرجوها علشان يحرقوها بعتت ليهوذا حماها وقالت له: «أنا حبلى من صاحب الحاجات دي. بص كويس في الخاتم والعْمَّة والعصايا يمكن تعرف مين صاحبها.» فاتعرف يهوذا على حاجته وقال: «هي على حق وأصدق مني، لأنها كانت عايزة تحفظ أسم زوجها حسب الشريعة، وانا اللي خلفت وعدي ورفضت أجوزها من شيلة ابني». ومدخلش عليها يهوذا بعدها ولا عاشرها. ولما جه معاد ولادتها كان فيه توأمين فِي بطنها. وفي وقت ولادتها واحد من التوأمين خرج ايده فربطت الموَلده حوليها خيط أحمر، وقالت: «ده هو خرج الأول». لكنه سحب ايده فخرج أخوه، فقالت: «أزاي اقتحمت كده على أخوك؟» علشان كده سموه فارص. ومعناه المقتحم. وبعدها خرج أخوه الي كان ملفوف الخيط الأحمر على أيده فسموه زارح. ومعناه الأحمر. (وده نسل فارص لحد النبي داود: فارص خلف حصرون، وحصرون خلف رام، ورام خلف عميناداب، وعميناداب خلف نحشون، ونحشون خلف سلمون، وسلمون خلف بوعز، وبوعز خلف عوبيد، وعوبيد خلف يسَّى، ويسَّى خلف داود).

39

يوسف في بيت عزيز مصر

وبعد ما باع أولاد النبي يعقوب أخوهم يوسف للتجار الإسماعليين، اشتراه منهم فُوطِيفَارَ، الي كان رئيس حرس الفرعون وواحد من معاونيه المقربين. فعاش يوسف في بيت سيده المصري، وربنا كان معاه وبينَجحه كل أعماله. وشاف مولاه فوطيفار أن يوسف مؤيد من الله وموفق في كل أفعاله. فرضَى فوطيفار على يوسف، وخلاه وكيل على بيته والوالي على كل ماله. وحلت البركة في بيت فوطيفار وفي ماله وغنمه وزرعه، لما خلَى يوسف مسئول عن بيته والوكيل على كل أعماله. ومن وقت ما بقى يوسف أمين على بيت المصري وعلى كل أعماله، ماكانش فُوطِيفَارَ بيهتم بشيء من ماله إلا الأكل الي بيأكله من شدة ثقته في يوسف وأمانته. وكان يوسف وسيم وجميل الهيئة. فوقعت في غرامه زليخة زوجة مولاه. وراودته عن نفسها، وقفلت الأبواب وقالت له: «أنا هيئتلك نفسي، تعالى وعاشرني» فرفض يوسف وقالها: «أنتي زوجة سيدي وزي ما انتي شايفه، سيدي ائتمنني على بيته وعلى كل أعماله. ومفيش حد غيره في كل البيت أعظم مني، ومفيش حاجة منعها عني إلا أنتي لأنك زوجته. فأزاي أقدر ارتكب الذنب العظيم ده واغلط قدام الله في حق سيدي؟» ففضلت تراوده وتلح عليه ويوسف معتصم بالله بيقاوم إغرائها. وحصل في مرة أن يوسف دخل البيت علشان يقوم بأعماله، وماكنش فيه حد في البيت غيرها. فَمسكته من هدومه وقالت: «أنا لك يا يوسف، تعالى وعاشرني!» فحاول يهرب منها فتعلقت بقميصه مِنْ ظهره فَساب قميصه في أيدها وجرى وهرب منها. فلما شافت أنه هرب منها بعد ما جرى وساب قميصه في أيدها، صرخت ونادت أهل بيتها: «شوفوا! العبراني اللي جابه زوجي حاول يعتدي عليا. دخل غرفتي وَراودني عن نفسي، فصرخت بأعلى صوتي. ولما صرخت بأعلى صوتي، ساب قميصه وخرج هربان من عندي». واحتفظت بقميصه جنبها لحد ما رجع للبيت فوطيفار زوجها. ولما رجع زوجها قالت على يوسف نفس الكلام : «شوف! اهو العبد العبراني الي أنت جبته لبيتي. دخل عليا غرفتي وراودني عن نفسي. ولما لقاني صرخت بأعلى صوتي، ساب قميصه وخرج هربان من عندي».

يوسف في السجن

فلما سمع فوطيفار عزيز مصر كلامها وازاي كان يوسف بيعاملها، غضب جدًا. فأمر بالقبض على يوسف ورموه في السجن اللي كان أسرى ٱلملك محبوسين فيه ففضل هناك مسجون. لكن الله كان مع يوسف ورحمه زي ما وعد إسحاق وإبراهيم، فنال يوسف رضَى رئيس السجن وعامله بإحسان عظيم. حتى أن رئيس السجن خلَى يوسف مسئول عن تدبير كل أمور السجن، وخلاه مسؤول عن شئون المساجين. وكان رئيس السجن مش بيراجع يوسف في أي أمر من أمور عهدته، لأن ربنا كان بينجحه في كل اللي يعمله.

40

حلم ساقي الفرعون والخباز.

وبعد مدة قضاها يوسف في السجن، حصل أن كبير سقاة فرعون ورئيس الخبازين عملوا حاجة غلط في حق سيدهم الفرعون. فغضب الفرعون على الرجلين: كبير السقاة ورئيس الخبازين. فأمر الفرعون بحبسهم في سجن رئيس الحرس اللي كان يوسف محبوس فيه. فكلف رئيس الحرس يُوسف أنه يرعاهم مع بقية المساجين، ففضلوا في السجن فترة محبوسين. وبعدين في ليلة شاف ساقي الفرعون وخبازه حلم وهما نايمين، لكل واحد منهم تفسير يخص صاحبه في الحلمين. فلما مر عليهم يوسف الصبح لقاهم مغمومين. فسألهم: «أيه الحكاية مالي شايفكم النهارده مغمومين؟» فرد عليه كبير السقاة ورئيس الخبازين: «حلم كل واحد منا حلم ومش عارفين نفسر الحلمين». فقال لهم يُوسف: «أحكولي أنتم الأتنين، وربنا يقدرني على تفسير الحلمين.»

يوسف يفسر حلم ساقي فرعون

فحكى كبير السقاة حلمه لـيُوسف وقال: «شفت في حلمي وكأن قدامي شجرة عنب. فيها ثلاثة أغصان مزهرة، وعناقيدها مستويين. وكانت كأس الفرعون في أيدي، فأخدت من العنب وعصرته في كأس الفرعون، وناولته الكأس في أيده مليان». فقال له يوسف: «أنا أقولك على تفسيره: الأغصان الثلاثة دول معناهم ثلاثة أيام معدودين، وبعد الثلاث أيام يرضى عنك الفرعون، ويرجعك شغلك، وهتقدم لفرعون كأسه زي ما كنت متعود تعمل لما كنت كبير السقايين. ولما الخير ده يحصلك ، يا ريت تفتكرني عند الفرعون وتكلمه علشان يخرجني مِن السجن. فأنا مارتكبتش جريمة اتعاقب عليها ، وفي الأصل هم اللي أخذوني من أرض كنعان وجابوني هنا غصب عني».

يوسف يفسر حلم خباز فرعون

ولما شاف كبير الخبازين أن يُوسف فسر بالخير حلم كبير السقاين، قال له: «وأنا كمان شفت حلم في منامي. شفت فوق رأسي ثلاث قفف فيهم عيش. وكان في القفة الي فوق كل أنواع الأكل اللي بنخبزه للفرعون. لكن الطيور كانت بتأكل منها وهم على رأسي محطوطين.» فقال له يُوسف: «أنا اقولك على تفسيره: أما الثلاث قفف دول فمعناهم ثلاثة أيام معدودين. بعد الثلاثة أيام هيقطع فرعون رأسك ويعلقك على خشبة فتأكل الطيور من لحمك». ووافق اليوم الثالث يوم الإحتفال بميلاد الفرعون، فعمل فرعون وليمة لأعوانه المقربين. وخرَّج كبير السقاة ورئيس الخبازين من السجن في حضور المسئولين. ورد الفرعون كبير السقاة لشغله، فقدم لفرعون الكأس بتاعه في أيده زي ما فسر له يوسف الحلم. وأمر الفرعون بإعدام كبير الخبازين وعلقه على خشبة، بالظبط زي ما فسر لهم يُوسف الحلمين. اما رئيس السقاين فنسى وصية يوسف، ففضل يوسف في السجن محبوس سنين.

41

حلم الفرعون

وبعد مرور سنتين شاف فرعون حلم، وكأنه واقف على ضفة نهر النيل وشاف سبع بقرات سُمان اجسامها قوية طلعت من النهر ترعَى في عشب البُستان. وبعدها طلعت من النهر سبع بقرات عجاف اجسامها ضعيفة، ووقفت جنب البقرات السُمان الي بترعى على الضفة في البُستان. فأكلت البقرات العجاف السبع بقرات السمان، بعدها صحى الفرعون من النوم. ونام الفرعون مرة تانية فحلم حلم تاني، وشاف في الحلم سبع سنبلات خضرا مزهرة نبتت من غصن واحد. ومن وراها شاف سبع سنبلات ناشفين ومن صهد ريح شرقية محروقين. فأكلت السبع سنبلات الناشفة السبع سنبلات الخضرا. بعدها فاق فرعون من نومه وعرف أن اللي شافه كان حلم. والصبح كان الفرعون مغموم ومضطرب فبعت واستدعَى جميع السحرة والحكماء وحكى لهم على حلمه لكن مفيش حد منهم عرف تفسير للحلمين.

بعدها قال رئيس السقاة للفرعون: «النهارده افتكرت أني مذنب، لأني نسيت الشاب اللي كان معانا في السجن من سنتين. لأن لما غضب مولاي الفرعون علينا وحطني في سجن رئيس الحرس أنا وكبير الخبازين. في الليلة دي شاف كل واحد فينا حلم. وكان لكل حلم معناه الخاص لكل واحد فينا أحنا الأتنين. وكان في السجن معنا شاب من العبرانيين، كان عبد عند رئيس الحرس. فحكيناله، وهو فسر لنا معنَى الحلمين. وفعلاً أتحقق زي ما فسر لنا الحلمين. فردني مولاي فرعون لشغلي وأعدم كبير الْخبازين».

فأمر الفرعون جنوده أنهم يجيبوا يوسف عنده بسرعه، فبسرعة راحوا وجابوا يوسف من السجن بعد ما حلقوا شعر راسه وذقنه ولبسوه هدوم جديدة، وجابوه قدام الفرعون. فقال فرعون ليوسف: «أنا شفت حلم ومفيش حد عرف يفسره، وأنا سمعت أنك بتعرف تفسر الأحلام.» فرد عليه يوسف وقال: «الفضل مش ليا أنا، لكن القادر على تفسير حلمك هو رب العالمين».

فقال فرعون ليوسف: شفت نفسي في الحلم وكأني واقف عند نهر النيل. ولقيت سبع بقرات سمان أجسامها قوية، طالعة من النهر وبترعى في بُستان. وراها طلعت سبع بقرات تانين عجاف أجسامها ضعيفة، ماشفتش في كل أرض مصر زيها ولا في بشاعة شكلها. فأكلت البقرات العجاف السبع بقرات السمان كلها. حتى بعد ما بلعتها فضلت على بشاعتها. وصحيت أنا من النوم ساعتها. بعدها نمت مرة تانيه وشفت سبع سنبلات خضرا زاهية ومليانة ومن غصن واحد خرج نباتها. وشفت وراها سبع سنبلات تانية ناشفه ومحروقة من صهد ريح شرقية. فبلعت السبع سنبلات الناشفة السبع سنبلات الخضرا وأكلتها. وأنا حكيت الأحلام للسحرة لكن مفيش حد منهم عرف تفسير الحلمين.»

يوسف يفسر أحلام فرعون

فقال النبي يوسف لفرعون: «التفسير واحد للحلمين، وفي المعنى متفقين، وربنا عَرَف للفرعون مشيئته واللي هيعمله في الحلمين. السبع بقرات السمان والسبع سنبلات الخضر تعبير عن رخاء يدوم سبع سنين، وهنا بيتفق الحلمين. فالسبع بقرات العجاف والسبع سنبلات الناشفين تعبير عن جوع يضرب في الأرض سبع سنين. ده تفسير الحلمين وبلاغ لفرعون بمشيئة رب العالمين واللي هيعمله في الحلمين. فيه سبع سنين رخاء عظيم على كل أرض مصر جايين. بعدها تيجي سبع سنين ناشفين، تهلك المجاعة فيها الأرض، وينسى فيها الناس رخاء دام عليهم سنين. فتُعم الشدة وينسى الناس الرخاء نتيجة مجاعة تدوم عليهم سنين. ولأن مشيئة الله نافذة وقريب هتكون، كان الغرض من تكرار المعنى في الحلمين.

ودلوقت يكون أفضل لو أن الفرعون يختار حد يوليه تدبير أمور البلاد من أهل البصيرة والحكمة. ويعين على كل أرض مصر وكلاء، يجمعوا من الناس بأمر الفرعون خمس حصاد زرعهم في سنوات الرخاء. ويجمع الوكلاء كل الي جمعوه من حصاد سنوات الرخاء، ويخزنوه في المدن بأمر الفرعون تحت حراسة ويحفظوه خزين للناس وقت حلول سنوات البلاء. فيكون تموين للشعب متوفر في سبع سنين المجاعة اللي هتضرب البلاد فميهلكش الناس من الجوع.»

النبي يوسف حاكم مصر

فرضَى الفرعون والمعاونين بتوعه بمشورة النبي يوسف. وقال فرعون لمعاونيه: «حنلاقي فين رجل زي ده فيه من روح الله؟» بعدها قال فرعون للنبي يوسف: «إن كان الله وهبك المعرفة، فمش هيكون لك نظير في البصيرة والحكمة. لذلك أنا عينتك والي على بيتي، وكل الشعب يخضع لأوامرك، ومش هيكون حد أعظم سلطة منك إلا أنا وتيجي أنت بعد مني. ومن دلوقت أنت الوالي على كل أرض مصر كمان». وخلع الفرعون خاتم المُلك من أيده ولبسه للنبي يوسف، وكمان لبسوه هدوم ملكية، ولبسه عقد من الذهب حوالين رقبته. بعدها ركبه في عربيته الملكية الثانية وخلى منادي يجري قدامه، وينادي في الناس بالركوع والخضوع. وبكده عين الفرعون النبي يوسف والي على كل أرض مصر. وقال فرعون للنبي يوسف: «بأمري أنا الفرعون. مفيش حد يتصرف في حاجة بدون أذنك.»

وسمى فرعون النبي يوسف صفنات فعنيح (واللي معناه الحافظ للحياة)، وجوزه أَسنات بنت فوطي فارع كاهن مدينة أون، وأصبح النبي يوسف بالفعل والي على كل أرض مصر.

سبع سنوات الخير

وبعد ما الفرعون عين يوسف والي على مصر، خرج النبي يوسف من عند الفرعون وطاف في مصر كلها. وكان عمر النبي يوسف ثلاثين سنة لما بدأ في خدمة فرعون مصر.

وجت سبع سنين الرخاء فأنبتت الأرض حصاد كثير من الثمار والغلة. فجمع النبي يوسف الي حصدوه في سبع سنين الرخاء من أرض مصر وفي المدن خزنها، وحفظ حولين كل مدينة تموينها من المحاصيل. فأدخر النبي يوسف خزين غلال زي رمل البحر فاقت العدد من ضخامتها، لحد ما وقفوا عن عدها من عظمة وفرتها!

أبناء يوسف

وقبل حلول سنوات المجاعة، رزق ربنا النبي يوسف من زوجته بنت كاهن مدينة أون بولدين. فسمى النبي يوسف أبنه البكر مَنَسَّى، وقال: «لأن ربنا نساني كل شقايا وبُعدي عن بيت أبي». أَمَّا التاني فَسماه أفرايم واللي معناه (المثمر اضعاف) وَقال: «لأن الله رزقني بالذرية فِي الأرض اللي كان فيها محنتي».

بداية سبع سنوات الجوع

ومرت أيام الرخاء الَّلي عَم أرض مصر بعد ما دام سبع سنين وحلت سبع سنين المجاعة زي ما فسر النبي يوسف. فحصلت مجاعة في جميع البلاد، لكن القمح كان متوفر في أرض المصريين. فلما بدأت المجاعة تتسلل لأرض مصر، وصرخ الناس لفرعون علشان يديلهم القمح، قالهم الفرعون: «روحوا ليوسف، واسمعوا كلامه في كل اللي يأمركم به». ففتح النبي يوسف كل مخازن الغلال وباع القمح للمصريين. فنزل على مصر أهل البلاد التانية المتضررين، وجم للنبي يوسف علشان يشتروا القمح من أرض المصريين.

42

إخوات النبي يوسف في مصر

ولما عرف النبي يعقوب أن القمح متوفر في أرض المصريين. قَالَ لأولاده: «مالكم كده واقفين بتبصوا لبعض، أيه مستنيين؟ أنا عرفت أن القمح متوفر في أرض المصرين، فانزلوا على مصر وأشتروا لنا قمح علشان نعيش بدل ما نموت من الجوع». فنزل ١٠ من أولاد النبي يعقوب علشان يشتروا قمح من أرض المصريين، لأن المجاعة كانت ضربت في أرض الكنعانين. أما بنيامين أخو يوسف فخاف النبي يعقوب أن يصيبه أذىَ ورفض يبعته مع أخواته التانيين.

لقاء النبي يوسف مع إخوته

وَكان النبي يوسف الوالي على أرض مصر، وكان هو اللي بيتولىَ الإشراف على بيع القمح. فَجُم إخوات يوسف ودخلوا عليه وسجدوا قدامه. وأول يوسف ما شاف أخواته عرفهم، لكنه عمل نفسه ميعرفهمش، وكلمهم بقسوة. وسألهم: «أنتم منين جايين؟» فقالوا: «عايزين نشتري قمح وأحنا جايين من أرض الكنعانيين».

النبي يوسف يستجوب إخوته

وافتكر النبي يوسف الرؤيا اللي شافها عنهم، فقال لهم: «أنتم جواسيس وجايين تتجسسوا على أرضنا» فقالوا: «لا يا سيدنا، أحنا عبيدك وجئنا علشان نشتري القمح من عندكم. وأحنا أخوات ولاد رجل واحد، أحنا شرفاء، وماجئناش لأرضكم علشان نتجسس عليكم.» لكن يوسف قال لهم: «لا، أنتم جايين علشان تتجسسوا على بلادنا». فقال له أخواته: عبيدك أتناشر أخ، ولاد رجل واحد ساكن في أرض كنعان. احنا ١٠ وعندنا كمان أخين، واحد فيهم هو أصغر واحد فينا وهو موجود مع أبونا، والثاني مات من سنين.» لكن النبي يوسف قال لهم: «لا، زي ما قلت لكم، أنتم جواسيس مستكشفين. أقسم أنكم مش هتخرجوا من هنا لحد ما تجيبولي أخوكم الصغير، أبعتوا واحد منكم يجيبه، أما بقيتكم ففي السجن هيفضلوا محبوسين لحد ما تثبتوا صحة كلامكم إن كنتم صادقين. وإن مانفذتوش كلامي وجبتم اخوكم الصغير، فأنتم جواسيس وكدابين». وبعدين أمر يوسف أنهم يتحجزوا كلهم في السجن، ففضلوا ثلاث أيام محبوسين.

وفي اليوم الثالث قال لهم: «أنا باتقي ربنا فيكم، فأحسن لكم تعملوا زي ما باقول لكم علشان تنجوا بحياتكم. واحد منكم يفضل هنا في السجن، ويرجع بقيتكم بالقمح لبيوتكم والأهالي المحتاجين. وبعدين تجيبولي أخوكم الصغير وانتم راجعين، وإلا أعدمتكم لو كنتم كذابين». فاتفقوا معاه أنهم يجيبوله بينيامين. وقال أخوات يوسف لبعض: «ده أكيد عقاب رب العالمين لأننا أذنبنا في حق أخونا، لأنه أسترحمنا لكن أحنا ماسمعناش له وكنا عليه قاسيين، علشان كده وقعنا في شر اعمال الظالمين». فقال رأوبين بكر النبي يعقوب: «أَنا قلتلكم ماتقتلوش يوسف فمسمعتوش كلامي. وأهو أحنا دلوقت بندفع ثمن اللي عملناه معاه». وفضلوا يتكلموا من غير ما ياخدوا بالهم أن يوسف فاهم كلامهم، لأنه كان بيكلمهم عن طريق مترجمين. فبَعد عنهم وبكَى وهو حزين. وبعدين رجع لهم تاني وأخذ شمعون وأمر الخدم أنهم يربطوه قدامَ عينين أخواته التانيين.

رجوع أخوات يوسف لأبوهم النبي يعقوب

بعدها أمر النبي يوسف خدمه بأنهم يملوا كياس أخواته قمح. وأمرهم كمان أنهم يرجعوا فضة كل واحد منهم للكيس بتاعه ، وكمان يدوهم أكل للطريق. فعمل الخدم زي ما أمرهم النبي يوسف. فحَمّل أخوات يوسف حميرهم بالقمح ورحلوا راجعين لأهلهم في أرض الكنعانيين. ولما وقفوا في الطريق علشان يناموا فتح واحد منهم الكيس بتاعه علشان يعلف حماره، فشاف كيس فضته. فقال لإِخواته: «بصوا، دول رجعولي فضتي، أنا لقيتها في كيس القمح بتاعي.» ففزعوا وبصوا لبعض وهم مرعوبين: وقالوا «أيه الي بيعمله فينا ربنا؟»

ولما رجعوا لأبوهم في أرض الكنعانين حكوا له الي حصل معاهم وقالوا: «يا أبونا، الرجل المسئول عن شئون مصر كلمنا بقسوة، وأتهمنا أننا جئنا علشان نتجسس على بلادهم. فقلنا له أننا شرفاء ومش جواسيس. وأننا أتناشر أخ ولاد رجل واحد، وجينا نشتري القمح أحنا العشرة ، وقولنا له أن عندنا أخ مات من سنين ، وأخ تاني هو أصغرُ واحد فينا موجود عند أبـونا في أرضِ الكنعانَين.» فقال لنا الرجل المسئول عن شئون بلاد المصريين: «مش هتخرجوا من هنا إلا لما تجيبولي أخوكم الصغير. واحد فيكم هيفضل هنا عندي، أما بقيتكم فيرجعوا بالقمح لأهلكم، وترجعولي بأخوكم الصغير، وبكده تثبتوا صحة كلامكم وأنكم شرفاء ومش كذابين، ساعتها اسيب أخوكم وتتاجروا في أرضنا وأنتم مطمئنين.» وكان النبي يعقوب معهم لما فتحوا أكياسهم. ولما شافوا فضتهم زاد خوفهم.

فقال لهم أبوهم النبي يعقوب: «حرمتوني من يوسف وشمعون ودلوقت كمان عايزين تاخذوا مني بَنْيَامِين! كل المصائب نزلت علي على راسي بسببكم». فقال له رأوبين: لو مارجعتلكش ببنيامين أقتل ولادي الأتنين. خليه في عهدتي وأنا هارجعه لك تاني. فقال النبي يعقوب لأولاده: مش هابعت معاكم أبني بينيامين. أخوه أفترسه الذئب قبلها، وهو وحده الي باقي لي من بعدها. فإن حصله حاجة وحشة في الطريق وأنتم مسافرين، يبقى موتوني بحسرتي وأنا في شيبتي».

43

الرحلة الثانية - رجوع أولاد النبي يعقوب لمصر

وكانت المجاعة يوم بعد يوم بتشتد قسوتها. فلما خلص القمح اللي اشتروه من مصر قبل كده، قال النبي يعقوب لأولاده: «أرجعوا واشتروا لنا شوية قمح كمان من أرض المصريين». فقال يهوذا لأبوه: «والي مصر حذزنا وشدد علينا وقال لنا: «مش هتشوفوا وشي إن مارجعتوش بأخوكم الصغير معاكم. فلو بعثت معنا أخونا بنيامين، نروح ونشتري قمح تاني من أرض المصريين. ولو مش هتبعت معانا بينيامين، فأحنا مش رايحين، علشان الرجل حذرنا وقال لنا: «مش هتشوفوا وشي مرة تانية لو ماجبتوش أخوكم الصغير وأنتم راجعين».

فقال النبي يعقوب لأولاده: «ليه عملتولي مشكلة وعرفتم الحاكم أن لكم أخ تاني؟» فَقالوله: «الوالي فضل يسألنا عن نفسنا وعن أهلنا، وقعد يقول لنا: هو أبوكم لسه حي؟ عندكم أخ تاني؟ فجاوبنا حسب ما كان بيسألنا. وأحنا أيه عرفنا بأنه هيقول لنا: أرجعوا بأخوكم عندي هنا؟»

فقال يهوذا لأبوه يعقوب: «أبعت معايا الولد وأسمح لنا بالسفر فمنهلكش بسبب الجوع كلنا. وأنا كفيل به، ومن ايدي تطلبه. فإن مارجعتهوش سالم لأيدك، فاللوم عليَّ طول حياتي. فلو ماكنتش أخرتنا، كان زمانا رُحنا ورجعنا مرتين.»

فقال النبي يعقوب لأولاده: «إن كان مفيش حل غير كده ، فاعملوا زي ماحقولكم: أملوا أكياسكم من أحسن محاصيل الأرض، خذوا شوية بلسم وعسل، وشوية توابل ومُر وفستق ولوز، وخذوها معكم هدية للوالي. وخذوا معكم ضعف الفضة، وترجعوا بالفضة اللي لقيتوها في أكياسكم، فيمكن كان سهو منهم. وخدوا معاكم أخوكم وقوموا أرجعوا للوالي. وربنا قادر أنه يجعل في قلب الحاكم رحمة عليكم، فيسمح لشمعون وبنيامين كمان أنهم يرجعوا معاكم. أما أنا، فإن كان ولابد أني أفقد أولادي، فانا فقدتهم.»

رجوع إخوات النبي يوسف ومعهم بنيامين إلى مصر

فأخدوا الهدايا في أكياسهم، وضعف فضتهم، وأخذوا بينيامين كمان معهم، ونزلوا على مصر، ووقفوا قدام يوسف كلهم. ولما شاف يوسف معاهم أخوه بنيامين قال لكبير خدمه: «يا كبير الخدم دخل الرجاله في البيت واذبح ذبِيحة وجهز وليمة، لأنهم على الغذاء معزومين». فعمل الخادم زي ما أمره سيده، ودخلهم البيت.

فلما دخلهم كبير الخدم في بيت يوسف وقف أخوات يوسف خائفين وقالوا لبعض: «بالتأكيد جابنا هنا بسبب الفضة اللي لقيناها في أكياسنا، وأكيد حيتهمَنا علشان يأخذنا عبيد عنده.» فتقدموا لكبير خدم يوسف وقالوا له وهم داخلين: « يا سيد أسمعنا، احنا جئنا لبلادكم في أول مرة علشان نشتري قمح من عندكم. ولكن لما وقفنا علشان نقضي ليلتنا وأحنا راجعين، فتحنا أكياسنا ولقينا فضتنا بكاملها في الكياس وأحنا رجعنا بها تاني علشان نردها لكم. وكمان جبنا معنا فضة زيادة علشان نشتري قمح لأهلنا من عندكم. ومانعرفش مين اللي حط الفضة في أكياسِنا!»

فقال لهم كبير الخدم: «أطمئنوا ماتخافوش. إلهكم وإله أبائكم وهبكم كنز في أكياسكم، وأنا وصلتني فضتكم.» بعدها خرَّج لهم أخوهم شمعون. ودخلهم كبير الخدم لبيت يوسف وقدم لهم مياه علشان يغسلوا رجليهم، وعلف علشان حميرهم. ولما عرف أخوات يوسف أنهم معزومين على الغذاء في بيت يوسف، جهزوا ٱلهدية وقعدوا وقت الظُهر منتظرين.

ولما وصل يوسف للبيت قدموا الهدايا اللي جابوها معاهم وسجدوا على الأرض قدامه. فأطمئَن على أحوالهم، وقال لهم: «كيف حال أبوكم الشيخ الي قولتولي عنه؟ هو لسه عايش وبخير؟» فَقالوا: «عبدك أبونا لسه عايش وبخير». وانحنوا مرة تانية قدامه ساجدين.

وتلفت يوسف فشاف أخوه شقيقه بنيامين، فقال لهم: «هو ده أخوكم الصغير الي حكيتولي عنه؟» وقال لبنيامين: «ربنا يبارك فيك يا أبني» وغلب يوسف الحنين لأخوه بنيامين، فخرج بسرعة وراح على غرفتهِ وبكَى كثير.

بعدها غسل وشه وخرج يأمر خدمه علشان يقدموا الطعام للضيوف المعزومين. فقدم له الخدم الطعام لوحده، ولأخوته وحدهم، وللمصريين الموجودين لوحدهم، لأنه كان مُحرم عند المصريين أنهم يأكلوا مع العبرانيين. فقَعدهم خدم يوسف في حضرته بالترتيب زي ما أمرهم، من البكري لحد الصغير. فسألوا بعضهم أزاي عرف أعمارهم وبصوا لبعضهم متعجبين. وقدم الخدم من اللي على طاولة يوسف، فقدموا لبنيامين خمس أضعاف اللي قدموه لأخوته التانيين. فأكلوا معاه وشربوا وهم مطمئنين.

44

كاس يوسف الفضة في كيس بنيامين

وبعدها ومن غير ما أخواته يعرفوا، أمر النبي يوسف كبير خدمه وقال له: «اسمع، أمْلا بالقمح أكياسهم ، ورجع لهم فضتهم وحطها في كيس القمح بتاع كل واحد منهم. وحط الكاس الفضة بتاعي فِي كيس أصغر واحد فيهم». فعمل كبير خدم يوسف زي ما أمره سيده. ولما طلع النهار صرف الخدم أخوات يوسف علشان يرجعوا لبلادهم. وقبل ما يبعدوا عن المدينة، أمر يوسف كبير خدمه وقال له: «رُّوح بسرعة وراهم، ولما تحصلهم تقول لهم: ليه رديتم بالشر على الإحسان إليكم؟ ليه سرقتم الكأس اللي سيدي بيشرب فيها وبيكشف بِها عن اللي حيحصل في المستقبل. أنتم أرتكبتم شر عظيم بعملتكم».

فلحقهم كبير الخدم وهم ماشيين، وقال لهم زي ما أمره النبي يوسف. فقال أخوات يوسف: «ليه بتقول علينا كده يا سيدنا؟ حاشا لله أننا نكون سارقينَ! وأنت شاهد أن الفضة اللي لقيناها في أكياسنا، رجعنالكم بِها تاني من أرض الكنعانيين، فإزاي ممكن تتمد ايدنا ونسرق فضة ولا ذهب من بيت سيدك؟ أحنا قدامك، واللي سرق الكاس جزاءه الموت ويكون بقيتنا لك خدامين». فقال لهم كبير الخدم: «زي ما قولتم يكون، لكن هناخذ بس اللي سرق الكأس علشان يكون عبد عندنا، أما بقيتكم فأبرياء مش مذنبين». فبسرعة نزل كل واحد فيهم الكيس بتاعه من على حماره وفتحه. فبدأ كبير الخدم يفتش في حاجتهم من كبيرهم لصغيرهم، وبعدين طلع الكاس من كيس القمح بتاع بنيامين. فلما شافوه بيطلعها من كيس بنيامين، ماتوا من الخوف وشقوا هدومهم وحملوا بضاعتهم تاني على حميرهم، ورجعوا تاني للمدينة.

وكان النبي يوسف لسه موجود في القصر، فلما دخل إخواته القصر وشافوه رموا نفسهم وسجدوا قدامه. فقال لهُم يوسف: «أنتم عملتم ذنب عظيم. أنتم مش عارفين إن اللَّه عطاني العلم وأقدر أعرف الكاس بتاعتي فين؟» فقال يهوذا رابع أبناء النبي يعقوب: «مش عارفين نقول لك أيه! أزاي ممكن نبرأ نفسنا؟ ربنا كشف الذنب اللي عملناه زمان. فإحنا واللي لقيت الكاس عنده عبيد عندك يا سيدنا». فقال لهم يوسف: «معاذ الله، فأنا هاخد بس إلا الي لقيت الكاس عنده. أما انتم فترجعوا لأبوكم سالمين».

توسل يهوذا

فقرب يهوذا يستعطف يوسف وقال: «عفوك يا سيدنا، أنت لك مكانة عظيمة زي مكانة فرعون مصر. فاسمح لي بكلمة بدون ما تغضب مني. أنت سَبق وسألتنا عن أبونا، وعن أخونا الصغير بينيامين». وأحنا قلنا: إن أبونا شيخ كبير وأن عندنا أخ صغير خلفه أبونا في شيخوخته، وهو أكتر واحد أبونا بيحبه، وبنيامين وحده اللي فضل له بعد ما مات أخوه الكبير. فَقُلت لنا: تجيبولي أخوكم الصغيرعلشان أشوفه بعيني، لو كنتم صادقين. وأحنا ردينا وقلنا: أبونا مش هريضى يسيب لنا بنيامين، فلو بعد عنه ممكن أبونا يموت من حسرته عليه. فقلت لنا: مش هتقفوا قدامي إلا لما تجيبوا أخوكم الصغير لحد عندي. فلما رجعنا لأبونا، حكينا له وعرفناه باللي حصل لنا. ولما خلص القمح اللي عندنا، أبونا قال لنا: أنزلوا مصْر اشتروا لنا شوية قمح تانيين. فقلنا لأبونا: ما نقدرش نرجع هناك ولا نقف قدام الوالي إلا ومعانا بنيامين. فأبونا فَكرنا وقال لنا: انتم عارفين، إنّ زوجتي راحيل خلفت لي ولدين. فقدت واحد منهم لما جيتم وقلتم أن الذئب أفترس أبني، ومن يومها ما شافتهوش عيني. وأنا راجل شيخ كبير وإن أخذتم مني بنيامين وحصله حاجة في الطريق أموت بحسرتي عليه. (فَاللَّهُ خَيْرٌ حَافِظًا وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ). وازاي دلوقت يا سيدنا نقدر نرجع من غير أخونا، وحياته مرتبطة بحياة أبونا. ده كان يموت لو شافنا من غير أخونا راجعين، وعن موته بحسرته في شيبته نكون احنا المسئولين. وأنا عاهدته واقسمت له، أني أنا كافل لأخونا بنيامين، ومن ايدي يطلبه. فلو رجعت من غير بنيامين، أكون مذنب طول حياتي قدام أبونا. ودلوقتِّ أنا عبد لك فخذني مكانه، واعفي عن بنيامين وسيبه يرجع مع إخوانه! لأني مش ممكن اقدر أرجع من غيره لأبونا، ومقدرش اتحَمل موته قدام عيني من حسرته على بنيامين».

45

النبي يوسف يعفي عن أخوته

لما سمع النبي يوسف أخوه يهوذا وهو بيتوسل له مقدرش يتمالك نفسه. فأمر بخروج كل الي كانوا عنده، ومافضلش حد معاه غير أخواته، لما كشف لهم يوسف عن نفسه. وبكَى يوسف بصوت عالي، لحد ما سمعه المصريين اللي كانوا عنده، وكمان وصل قصر الفرعون خبره. وقال النبي يوسف لإخواته: «أَنَا يوسف. حقيقي أبويا لسه حي؟». فاترعبوا وما قدروش يتكلموا ووقفوا قدامه مذهولين.

فقال لهم النبي يوسف: «تعالوا قرَبوا منّي». ولما قربوا منه قال لهم: «أنا يوسف أخوكم، اللي بعتوه زمان لتجار كانوا رايحين على مصر . ماتخافوش بسبب أنكم بعتوني وبقيت عبد في أرض مصر، مشيئة الله كانت أنه ينجي الناس من المجاعة وعلشان كده بعثني قدامكم. والمجاعة اللي ضربت الأرض من سنتين هتستمرّ خمس سنين تانيين، لا زرع فيها ولا حصاد. وربنا هو اللي بعثني قدامكم علشان ينقذ حياتكم ويحفظ نسلكم. بالحق ربنا هو اللي شاء كده مش أنتم. وهو الي خلاني كبير وزراء الفرعون ، والوالي على كل أرض المصريين. دلوقتِّ ارجعوا لأبي بسرعة وقولوا له: يوسف أبنك بيقولك: ’يا أبي، ربنا جعلني والي على كل أرض مصر، عجل وتعالى عندي. تعالى أنت وأولادك وأحفادك وهات معك بقرك وأغنامك، علشان تسكنوا في أرض جاسان شرق دلتا النيل وتكونوا مني قريبين. وأنا هاتكفل بِّكم، ، فلو ماجيتوش عندي هتهلكوا، علشان المجاعة لسه مستمرة خمس سنين تانيين. ودلوقتِّ يا أخوتي، أنتم وأخويا بنيامين شهود أني أنا هو يوسف اللي واقف قدامكم وبكلمكم! روحوا علشان تبشروا أبويا، وبلغوه عن كل العز الي أنا عايش فيه في مصر وعرفوه بعلو مكانتي. يلا عجلوا وأرجعوا بِّه هنا عندي».

وحضن يوسف أخوه الصغير، وتعلق بنيامين في رقبة يوسف وبكوا هم الإثنين. وحضن يوسف بقية أخواته وبكىَ. وبعدها تكلموا معاه وهم مطمئنين.

ولما وصل خبر لقاء يوسف مع أخواته لقصر الفرعون، ابتهج الفرعون وكل أعوانه. وقال الفرعون ليوسف: «قول لإخوتك أنهم يحملوا بضاعتهم ويسرعوا علشان يرجعوا في طريقهم لأرض الكنعانيين. ويرجعولي هنا تاني ومعاهم أبوكم وأهلكم، وأنا في أخصب أرض مصر هسكنهم، فياكلوا منها ويعيشوا مُطمئنين. يا يوسف، أنا أصدرت لك أمر بأن أخوتك يأخذوا مركبات من مصر علشان ينقلوا عليها أبوكم وأهلكم ويجوا عندي هنا كلهم. وقول لهم مش مهم لو سابوا هناك حاجة من أملاكهم، فأنا هوفر لهم من خيرات أرض مصر كل احتياجاتهم».

فعمل النبي يوسف زي ما أمره الفرعون. ووَزعَ ثياب جديدة علىَ كل واحد من أخوته، أما بنيامين فعطاه خمس اثواب وثلاث مئة قطعة من الفضّة. وكمان بعث النبي يوسف لأبوه عشر حمير متحملة من خيرات مصر، وعطالهم المركبات وعشرة حمير تانيين متحملة بالقمح والخبز علشان رحلة رجوعهم. بعدها مشاهم علشان يرجعوا في طريقهم، ووصاهم وقال لهم: «أياكم تتخانقوا في الطريق، وارجعوا مصر إن شاء الله آمنين».

فخرجوا من مصر لحد ما وصلوا لأبوهم يعقوب في أرض الكنعانيين. فبشروه وقالو له: «يا ابونا، يوسف لسه حي! وبقَى الوالي على كل أرض المصريين». لكن الخبر اذهل النبي يعقوب ومصدقش كلامهم. لكن لما سمع منهم اللي قاله يوسف، وشاف المركبات اللي بعتها لهم، انتعشت روح النبي يعقوب. وقال لهم: «دلوقت أنا صدقت أن أبني يوسف لسه حي، أنا هروح علشان اشوفه قبل ما أموت».

46

عائلة النبي يعقوب في مصر

وركب أولاد النبي يعقوب أبوهم وأولادهم وزوجاتهم على المركبات اللي بعتها لهم الفرعون، واخدوا معهم مواشيهم وأغنامهم وكل اللي امتلكوه في أرض الكنعانيين، ورحلوا من حبرون الخليل. وبعدين وقفوا في الطريق عند منطقة بئر السبع (حوالي ٤٠ كيلو متر ناحية الجنوب)، وهناك قدم النبي يعقوب أضاحي تقرباً لله رب آبائه إسحاق وإبراهيم. وفي الليلة دي أوحىَ الله للنبي يعقوب فِي الرؤيا وناداه: «يعقوب، يعقوب.» فَرد النبي يعقوب: «نعم.» فقال الله تعالىَ: «أنا هو إله آبائك فلا تخاف وادخلوا مصر إن شاء اللَّه آمنين، فأنا هأجعل منك أُمة كبيرة في أرض المصريين. وأنا هأكون معاك اهديك في طريقك وأنت نازل مصر، ومن مصر اخرَّج نسلك وارجعهم للأرض دي مرة تانية، ويوم ما تموت، يوسف ابنك هو اللي يغمض عينيك.»

ودي اسامي كل أولاد وأحفاد النبي يعقوب اللي نزلوا معاه لمصر. رأوبين بكر يعقوب وأولاده أربعه: حنوك وفلّو وحصرون وكرمي. وأولاد شمعون سته: يموئيل ويامِين وأوهد وياكين وصوحر وشأول ٱبن زوجته ٱلكنعانية. وأولاد لاوي ثلاثه: جرشون وقهات ومرارِي. وأولاد يهوذا خمسه: عير وأونان وشيلة وفارص وزارح. وكان أتنين منهم ماتوا في أرض كنعان وهم عير وأونان. وأولاد فارص أثنين: حصرون وحامول. وأولاد يساكر أربعه: تولاع وفوة ويوب وشمرون. وأولاد زبولون ثلاثه: سارد وإيلون وياحلئيل. دول كانوا أولاد وأحفاد النبي يعقوب من زوجته ليئة المولودين في أرض آرام بالإضافة لبنته دينة، وعددهم ثلاثة وثلاثين.

أما أولاد جاد سبعه: صفيون وحجي وشوني وأصبون وعيري وأرودي وأرئيلي. وأولاد أشير أربعه: يمنة ويشوة ويشوي وبريعة، وأختهم كان اسمها سارح.، وأولاد برِيعة أثنين: حابر وملكيئيل. دول كانوا أولاد وأحفاد النبي يعقوب من زلفة الجارية اللي عطاها لابان لبنته ليئة ووهبتها للنبي يعقوب، وعددهم ١٦.

أسماء أولاد وأحفاد النبي يعقوب من زوجته راحيل أثنين: يوسف وبنيامين. واتولد ليوسف في مصر ولدين: منسى وأفرايم من زوجته أسنات بنت فوطي فارع كاهن معبد مدينة أُون. وأولاد بنيامين عشرة: بالع وباكر وأشبيل وجيرا ونعمان وإيحي وروش ومفيم وحفيم وأرد. دول كانوا أولاد وأحفاد النبي يعقوب من زوجته راحيل، وعددهم ١٤.

أولاد دان واحد: حوشيم. وأولاد نفتالي أربعه: ياحصئيل وجوني ويصر وشليم. دول كانوا أولاد وأحفاد النبي يعقوب من بلهة الجارية اللي أعطاها لابان لبنته راحيل ووهبتها للنبي يعقوب علشان يتزوجها، وعددهم سبعة.

وبكده يكون مجموع عدد اهل بيت النبي يعقوب من صُلبه، واللي نزلوا معاه مصر ٧٠.

وصول النبي يعقوب وأسرته لمصر

وقبل ما يوصل النبي يعقوب، بعت أبنه يهوذا ليوسف علشان يستقبلهم ويدلهم لمنطقة جاسان في شرق دلتا النيل (محافظة الشرقية دلوقتِّ). فجهز النبي يوسف مركبته وراح علشان يستقبلهم. ولما أتقابلوا اترمىَ يوسف في حضن أبوه وفضل يبكي. وبعدين قال النبي يعقوب ليوسف: «يوسف يا أبني، دلوقتي ممكن أموت ونفسي مطمئنة، بعدما شفتك حي قدام عيني.» بعدها قال النبي يوسف لكل أهله: «دلوقتِّ لازم ارُّوح علشان أبلغ الفرعون أنكم وصلتم. وحقول له أنكم رعاة أغنام، وأنكم جبتم معاكم أغنامكم وكل أملاككم. فلما يستدعيكم الفرعون ويسألكم: أيه حرفتكم؟ تقولوا له: ‹عبيدك رعاة أغنام ورثناها عن أبونا وأجدادنا›. ولما تردوا عليه بكده هيخليكم تسكنوا فِي منطقة جاسان أفضل أرض مصر، بعيد عن المصريين لأنهم مش بيختلطوا برعاة الأغنام.»

47

النبي يعقوب يقابل الفرعون

واختار النبي يوسف خمسة من أخواته ودخل بهم عند الفرعون وقال له: «جلالة الفرعون، أبي وأخواتي وصلوا من أرض كنعان، ومعاهم أغنامهم وكل أملاكهم، وهم دلوقت في منطقة جاسان». فسألهم الفرعون: «أيه حرفتكم؟» فَقالوا للفرعون: «عبيدك رعاة أغنام ورثناها عن أبونا وأجدادنا. واحنا جينا علشان نتغرب هنا لأن المجاعة في أرض كنعان أشتدت علينا وجفت مراعينا. فتكرم واسمح لعبيدك أننا نسكن في أرض جاسان». فقال الفرعون ليوسف: «ما دام أبوك وأخوتك وصلوا لك هنا، فأرض مصر كلها قدامك وأنت الوالي عليها. خليهم يسكنوا في جاسان لأنها أفضل أراضينا، ولو حد فيهم يقدر يشتغل فخليه يشرف على غنمي كمان».

بعدها دخَّل يوسف أبوه يعقوب وقدمه لفرعون. فدعَى النبي يعقوب لفرعون بالبركة. فسأل الفرعون النبي يعقوب: «عمرك كام سنة؟» فقال النبي يعقوب لفرعون: «سنين حياتي كلها غم وكرب، قضيت (130 مئة وثلاثين) سنة من عمري متغرب، ولكن أيام غربتي مش طويلة زي غربة أبي وأجدادي». بعدها دعَى النبي يعقوب لفرعون بالبركة مرة تانية وخرج من عنده.

وعمل النبي يوسف زي ما أمر الفرعون، وسكّن أبوه وكل أهله في جاسان أفضل أراضي مصر عند منطقة رعمسيس أو صان الحجر في شرق دلتا النيل. (محافظة الشرقية في مصر دلوقت) واتكَفّل النبي يوسف كمان بأكلهم وشربهم.

ومرت الأيام واشتدت قسوة المجاعة وخلص القمح من كل أرض مصر وأرض كنعان. فجا الناس من كل مكان للنبي يوسف علشان يشتروا القمح، فباع لهم النبي يوسف القمح وجمع كل الأموال اللي في أرض مصر وفي وأرض كنعان، وادخرها في خزينة الفرعون. وبعد ما خلص المال من الناس، جاء المصريين وقالوا للنبي يوسف: «يا والي مصر، لّيه نهلك قدام عينك؟ وفر لنا أنت طعامنا، لأن دلوقت خلصت كمان أموالنا.» فقال لهم النبي يوسف: «إن كانت خلصت أموالكم، ممكن أوفر لكم القمح مقابل مواشيكم». فَجابوا ليوسف كل اللي عندهم من مواشي وأغنام، فاخد منهم الغنم والبقر والحمير والخيل، وعطالهم قمح يكفيهم لمدة سنة.

وبعد ما خلصت السنة، جاء الناس للنبي يوسف وقالوا: «سيدنا والي مصر عارف أنه مفيش مال عندنا، وبقت عندك كل مواشينا وأغنامنا، ودلوقتِّ مفيش عندنا غير أراضينا وأجسامنا. فامنع الجوع من أنه يهلكنا وتبور أراضنا. فتملْكنا احنا وأرضنا ونبقىَ ملك الفرعون مقابل أكلنا، ووفر لنا قمح لطعامنا وبذور لزرعنا، فتنقذ حياتنا وتبعد الخراب عن أرضنا».

وبكده بعد ما باع الناس أراضيهم للنبي يوسف من شدة المجاعة مقابل أكلهم، أصبحت أراضي مصر كلها ملك الفرعون. لكن الكهنة احتفظوا بأرضهم لأن الفرعون كان بيتكفل بأكلهم. وبكده ربنا وهب للنبي يوسف الحكم على الناس وعلى أراضي مصر كلها.

وبعدين أعلن النبي يوسف لكل الشعب وقال: «من النهارده بقيتم ملك الفرعون أنتم وكل أرضكم، فخذوا بذور وأزرعوا أرضكم. وفي وقت الحصاد يكون للفرعون الخُمس من حصادكم، وتحتفظوا بِأربع أخماس لنفسكم، تخلوها طعام لكم وبِذور لِأرضكم.» فَقال الناس ليوسف: «يا والي مصر، يا ريت ترضَى عنا ونبقىَ عبيد للفرعون، وبكده تبقَى أنقذت حياتنا!» وعمل النبي يوسف قانون بين المصريين، يقضي بأنه يكون للفرعون الخمس من المحاصيل، إلا أراضي الكهنة اللي كان بيكفلهم الفرعون. وسكن النبي يعقوب وأولاده في أرض جاسان، واتملكوا فيها وكثروا وبقىَ عددهم كبير. وعاش النبي يعقوب في مصر (17 سبع عشر) سَنة لحد ما بقى عمره (147 مئة سبعة وأربعين) سنة. ولما حس النبي يعقوب بقُرب أجله، استدعَى ابنه يوسف وقال له: «إن كنت بجد بتحبني وبمعروفك تكرمني، فعاهدني أنك لأرض كنعان ترجعني، وفي مقبرة أبائي تدفني». فقال يوسف لأبوه: «حاضر، أنا هأعمل زي ما وصتني». فَقال النبي يعقوب ليوسف: «أحلف لي». فحلف له يوسف. فانحنى النبي يعقوب وسجد على طرف سريره وحمد ربنا.

48

وصية النبي يعقوب

وبعد فترة، لما عرف النبي يوسف أن أبوه مريض، أخذ أولاده منسى وَأفرايم معاه وراحو يزوروه. ولما عرف النبي يعقوب أن يوسف وأولاده وصلوا، استجمع قوته وقعد على سريره.

وقال ليوسف: «يا بني، بعدما خرجت من بيت أبي في أرض كنعان، أوحىَ لي الله القدير عند بيت لحم وباركني، وقال لي: يا يعقوب، حيكون نسلك كثير، وأمم كثيرة تخرج منك، والأرض دي أوهبها لنسلك. فمن دلوقتِّ يا يوسف، حيكون أفرايم ومنسى بالنسبة لي زي رأوبين وشمعون. وإن رزقك الله بأولاد بعدهم فيكونوا لك، ويورثو نصيبهم على اسامي أفرايم ومنسى. ومن دلوقتِّ ولادك اللي خلفتهم في مصر قبل ما نوصل عندك هنا هيكونوا ولادي أنا. للأسف يا بني، أمك راحيل ماتت بعد ولادة أخوك بنيامين، لما كنا راجعين في طريقنا من بلاد ما بين النهرين، ودفناها هناك بالقرب من بيت لحم في أرض الكنعانيين».

وكان النبي يعقوب شيخ عجوز ونظره ضعيف، فسأل يوسف: «مين اللي معاك؟» فقال يوسف لأبوه: «دول ولادي الي رزقني بهم ربنا.» فقال النبي يعقوب: «طيب قربهم عندي علشان أدعي لهم بالبركة.» فقربهم يوسف لأبوه فقَبلهم النبي يعقوب وحضنهم. وقال النبي يعقوب ليوسف: «كنت فاكر أنك مُت من سنين طويلة لحد ما فقدت الأمل أني أشوفك، لكن مشيئة الله خلتني أشوفك وأشوف كمان نسلك». فانحنَى يوسف علَى الأرض قدام أبوه.

وبعدين قَرَب النبي يوسف أبنه البكر منسى ناحية ايد أبوه اليمين، وقَدم أبنه الصغير أفرايم ناحية ايد أبوه الشْمال. لكن النبي يعقوب عَكَس ايديه وحط ايده اليمين على رأس أفْرايِمَ الصغير، وحط ايده الشمال على رأس منسَّى البكري. ودعى النبي يعقوب ليوسف واولاده بالبركة وقال:

«ربي، أنت الإله اللي عَبدك آبائي إسحاق وإبراهيم ومشوا قدامك على صراطك المستقيم.

وأنت ربي اللي كنت معايا طول حياتي، وبعثت لي ملاكك علشان يحفظني.

فيا رب الآن اسألك أنك تبارك الوَلَدين دول،

وخليهم يورثو أسمي،

وبسببهم تتخلد اسماء أبائي إسحاق وإبراهيم،

واجعل نسلهم في الأرض كثير».

فلما شاف يوسف أن أبوه حط ايده اليمين على أفرايم الصغير بدل من منسي البكري اتضايق، وحاول أنه يغير وضع أيد أبوه. وقال لأبوه: «عفوك يا أبي، لكن ده هو أبني البكري فخلي أيدك اليمين على رأسه». فاتصلبت ايد النبي يعقوب وقال ليوسف: «عارف يا أبني عارف. وأبنك البكري كمان حيكون منه شعب كبير وعظيم. لكن أخوه الصغير حيكون أعظم منه. وأمم كتيره حتخرج من نَسله.»

ودعَى لهم النبي يعقوب بالبركة مرة ثانية وقال: «هيفضل في بني يعقوب ذكركم، فكل ما يطلبوا من الله البركة يقولوا: ‹ربنا يجعلك زي أفرايم ومنسى.›» فَقدّم النبي يعقوب أفرايم أبن يوسف الصغير في بركته على منسى أبن يوسف البكري.

وبعدها قال النبي يعقوب ليوسف: «اسمع كلامي كويس، أنا حاسس أن أجلي قرب ، لكن ربنا هيكون معاك، ويرجعك للأرض اللي وعد بها آبائنا من قديم الزمان. يا يوسف، أنا وهبت لك منطقة جانب التل في أرض شكيم اللي أخذتها مِن الأموريين.»

49

النبي يعقوب يتنبأ لأولاده

وحصل أن النبي يعقوب قبل ما يموت جمع أولاده الأثني عشر وقال لهم: «اتلفوا حوليا يا أولادي علشان أنبأكم بأمور مستقبلكم ومستقبل أبنائكم. يلا قربوا يا بني إسرائيل واسمعوا لكلامي. يا رأوبين، أنت أبني البكري، اتولدت وأنا في عز قوتي، وكنت مُكرم بين أخواتك. لكنك مضطرب وتمردت على أبوك ونجست فراشه. ففقدت مكانتك الكريمة بين أخوتك. أسمع يا شمعون وأنت يا لاوِي، أنتم أدوات للعنف والقتل وسيوفكم ظالمة. وأنا بريء من الغدر اللي في خططكم ، لأنكم ارتكبتم جريمة القتل وأنتم غضبانين، وعلشان بس تتسلوا بتكسروا مفاصل الثيران. فاللعنة عليكم، وبين قبائل بني إسرائيل هاشتت ذريتكم. أما أنتَ يا يهوذا، هيمدحك أخواتك، وتهزم كل أعدائِكَ. وينحني أخواتك قدامك. يهوذا أنت زي أسد في قوتك. تقوم علشان تغتنم فريستك ومفيش حد يتجرأ على مقاومتك. ولا حد ينزع منك سلطتك، ومُلكك يدوم في ذريتك، والأمم تخضع لك لحد ما يجي الملك المنتظر. وأنت يا زبولون، فذريتك حتسكن عند شاطئ البحر ويكون ساحلهم ميناء للسفن، ولحد صيدا حتمتد حدود أملاكك. وأنت يا يساكر، فذريتك زي حمار حقل قوي لكن أحمالك ثقيلة. تحب الراحة في الحقول، لكن للعمل الشاق هتكون عبوديتك، والخمول يحني ظهرك. يا دان، أنت اللي هتجلب العدل لبني إسرائيل. أنت قبيلة صغيرة لكن ذريتك تعرف أزاي تكسب المعركة. أما أنت يا جاد، فالغزاة يحاربوك، لكن ذريتك تقاومهم وتطردهم. وأنت يا أشير، فتكون أرض ذريتك رخاء، وموائدتهم يكون عليها طعام ملكي. وأنت يا نفتالي زي غزال طليق، ذريتك طلعتهم بهية. يا يوسُف، ذريتك حتكون كثير زي كرمة زهرت أوراقها، على السور طلعت أغصانها، وعند النبع طرحت ثمارها. الأعداء حيهاجمو ذريتك من غير رحمة ويطلقوا عليكم سهام غضبهم. لكن قوة ذريتك تفضل ثابتة، وتفضل القوة في قبضة أيدكم، لأن إله بني إسرائيل بقدرته حيحفظكم. وإلهي اللي بعبده يكون في عون ذريتك، ويبارككم بنسل كثير وبمطر ينزل من السماء وأنهار تجري في أرضكم. عظيمة البركات اللي بطلبها من الله لكم، أعظم من الخيرات اللي على الجبال الأبدية والتلال الخالدة. اسأل الله يا يوسف أن كل البركات دي تحل على راسك، لأنك انت الأمير والسيد فوق أخوتك. وأنت يا بنيامين ذريتك خبراء في الحرب زي الذئاب المفترسة. فِي الصباح تحاربو أعدائكم وَفي المساء تأخذو من الغنيمة نصيبكم» هي دي البركة اللي بارك بها النبي يعقوب أولاده الاثني عشر، بحسب ما تنبأ لكل واحد منهم. وبعدين وصاهم النبي يعقوب وقال لهم: «دلوقت حان أجلي. فأوصيكم أنكم تدفنوني مع آبائي في كهف المكفيلة قرب ممرا في أرض كنعان. كهف المكفيلة ده كان جدي إبراهيم اشتراه من عفرون الحثي، وهناك اتدفن جدي إبراهيم وجدتي سارة. واتدفن أبي إسحاق وأمي رفقة. وهناك كمان دفنت زوجتي ليئة. أللهم أني أنتظر برحمتك خلاصي.» وبعدما وصَى النبي يعقوب أولاده، فاضت روحه لخالقها.

50

دفن النبي يعقوب

فَرمَى النبي يوسف نفسه على جَسد أبوه، وحضنه وبكى. وأمر الأطباء أنهم يحنطو جسد أبوه. فحنط الأطباء جسد أبوه في أربعين يوم على حسب عادات المصريين. وعمل المصريين حداد على النبي يعقوب سبعين يوم، لأنه كان أبو الوالي على أرض مصر. ولما كان النبي يوسف في فترة الحداد على أبوه، مكنش مسموح له أنه يقابل الفرعون حسب عادات الحداد عند المصريين. فتكلم النبي يوسف مع أهل بيت الفرعون وقال لهم: «لو ممكن تعملوا معايا معروف وتقولوا للفرعون على لساني: إن أبويا وصاني قبل وفاته وحلفني أني أدفنه مع أباءه في أرض كنعان. وأنا محتاج يأذن لي الفرعون أني أروح علشان أنفذ وصية أبويا وبعدها أرجع تاني .» فوافق الفرعون على طلب يوسف، وقال له: «يا يوسف، روح لكنعان واحفظ عهدك مع أبوك.»

ولما مشَى النبي يوسف من أرض مصر مع إخواته وكل أهل بيت ابوه علشان يدفنوا النبي يعقوب، راح معاه كبراء من حاشية فرعون ومعاهم فرسان وعربات حربية.

ولمّا وصلوا عند الضفة الشرقية من نهر الأردنّ، عمل النبي يوسف لأبوه عزاء كبير استمر سبعة أيام. ولما شاف الكنعانيين النواح العظيم على النبي يعقوب في عزاء التأبين قالوا: «دي مناحة عظيمة للمصريين.» علشان كده سموا المكان ده «آبل مصرايم» اللي معناها «مناحة المصريين».

وبعد أسبوع العزاء، عبر أولاد النبي يعقوب نهر الأردن ودفنوا أبوهم في الكهف اللي في حقل المكفيلة. والكهف ده كان النبي إبراهيم اشتراه مع الحقل من عفرون الحثي علشان يكون مدفن لأهل بيته في أرض كنعان. وبعد ما دفن النبي يوسف أبوه النبي يعقوب، رجع هو وأخواته وكل اللي كانوا معاه على مصر. وبكده نفذ أولاد النبي يعقوب وصية أبوهم قبل ما يموت.

وبعد رجوعهم لمصر خَاف أخوات النبي يوسف وقالوا لبعض: «هنعمل أيه دلوقت لو أن يوسف لسه بيكرهنا وعايز ينتقم مننا بسبب اللي عملناه معاه وقسوتنا زمان عليه؟» فبعتوا رسالة للنبي يوسف قالوا له فيها: «يا يوسف، أبوك وصانا قبل ما يموت وقال لنا: انتم كنتم أشرار مع يوسف وظلمتوه بفعلكم، ولازم تطلبوا منه العفو عن ذنبكم. واحنا دلوقت يا يوسف، بنطلب منك أنك تسامحنا وتعفي عن ذنبنا ، فاحنا في النهاية أخواتك وبنعبد إله أبوك.» فبكىَ النبي يوسف لما سمع رسالتهم.

وفي الوقت اللي كان فيه النبي يوسف بيبكي، دخل عليه إخواته وانحنوا قدامه على الأرض وقالوا : «يا اخونا يوسف، عبيدك احنا وخدامك». فقال لهم النبي يوسف: «أنتم إخواتي، ماتخافوش. وهو أنا مكان ربنا علشان أحاسبكم؟ أنتم كنتم عايزين لي شر ولكنّ ربنا بدله خير، علشان ينجي كل الناس دي وينجيكم. ماتخافوش من حاجة. أنا أكفيكم أنتم وأولادكم.» وبعد ما سمع أخوات النبي يوسف كلامه، اطمأنت قلوبهم.

وبعد كده فضل النبي يوسف عايش مع أهل بيت أبوه في مصر مدة طويلة. وكان عمر النبي يوسف لما وصل مصر (17 سبعة عشر) سنة. ولما عينه الفرعون والي على مصر كان عمره (30 ثلاثين) سنة. ولما وصل النبي يعقوب وأهل بيته لمصر كان عمر النبي يعقوب (130 مائة وثلاثين) سنة وعمر يوسف (39 تسعة وثلاثين) سنة. وعاش النبي يوسف لحد ما شاف أولاد أبنه أفرايم وأحفاده. وشاف كمان أولاد ماكير أبن ابنه منسَى.

وفاة النبي يوسف

ولما حس النبي يوسف بقرب أجله قال لإخواته: يا أخواتي، دلوقت أنا حاسس بقُرب أجلي، وربنا هيتكفل بكم ويخرجكم مِن الأرض دي، ويرجعكم للأرض اللي وعد بها أبائنا إبراهيم وإسحَاق ويعقوب. فاحلفوا لي أنه لما ربنا يأذن بخروجكم، تاخدوا عظامي معاكم، وتدفنوني في أرض كنعان.

ومات النبي يوسف وعُمره (110 مئة وعشرة) سنة، فحنطه المصريين وحطو جثمانه في تابوت.